أحمدأبوإلياس يكتب..أتاك الربيع الطلقةُ
أتاك ربيعٌ مَثَّلَ الصَّيْفَ فَوْقَ ما
يحاول صيفٌ أن يكون جهنَّما
.
فصارتْ مَسَامُّ المرء أفواهَ نسوةٍ
مثرثرةٍ جدًا، ولو كان أبْكَمَا
.
وقد نبَّه النوروزُ ذكرى معاركٍ
من الحرِّ بين الناس قد لُوِّنَتْ دَمَا
.
وذكرى وذكرى بين جيرانِ ضحكةٍ
بضربَةِ شمسٍ قد تحوَّلْنَ مأتما
.
بلا رحمة (التكييفِ)، كرباجُ يَقْظَةٍ
يقلبِّ جسمَ الليلِ في سُرُرِ السما
.
فيظهر حمْوُ النيل في جلد لونهِ
يراه سُكَارَى الحرِّ بَدْرًا وأنجما
.
أما الليلُ مرآةٌ لِعَيْنِ مُسَهَّدٍ
بلهجة نور العين تنوي لتشتما
.
وما دمعُها إلا مُنَى مطرٍ لكي
يقلِّدها غيمٌ فيهمي مترجِما
.
وما كثرةُ التقليب فوق أسرَّةٍ
سوى رقص ديك في سكاكينها احتمى
.
وزفْراتُنا ليست سوى نفخ ساحرٍ
رأى -في السريرِ الجنِّ- سُهْدًا مطلْسما
.
ولو أنهم قد عينوا الشمس شرطَةً
لما تركتْ فوق البسيطة مجرما
.
مسدس حرٍّ في يديها معمر
، و طلقاته في الجلد حَبٌّ تكتَّما
.
مشينا به تحت الملابس، ترجمَتْ
ملامحنا من نصه ما تألما
.
ولو عاد سيبويه يُعْربُ حكةً
من الثوب فيه، ألَّفَ النحو بالدِّما
.
ولا لابن منظورٍ من اللفظ فرصةٌ
سوى أن يخط الآن –في الآهِ- معجما
.
أتاك الربيع الطلْقة الآن في الحشا
لتتركه كالقط يعوي مسمما
.
كأن عفاريت الوجود تقافزتْ
على الوجه حتى كاد أن يتفحما
.
عجيب إذن أن يصبح الماءُ جمرةً
وأنَّ شعاع الشمس يصبح مرْجَمَا
.
وأنك لا من خارج قد رُجِمْتَ بلْ
من الداخلِ المصدومِ آلى ليصدِمَا
.
كقبرٍ ومردومٍ، وقد حان بعثُه
وبالحفر من عمقٍ إلى خارج رمَى
.
أو الجسمُ بنيانٌ، تفجَّر حولَهُ
قنابلُ حرٍّ، فاستوى متهدما
.
ضحكنا كثيرًا بانتفاخ خدودنا
وبعض انتفاخ الخد كان تورما
.
تدرِّبُنا الأقدارُ أن نتقنَ الرضا
ليصبح ضحْكُ اليوم حزنًا مخضرَما
.
فنجمعُ أيامًا ونطرحُ حلوها
من المرِّ، حيث الحلُّ أن نتبسما
.
إلى أن يساويْ الحرُّ بردًا، وموسمٌ
-بثلاجَةِ المجموع- يشبهُ موسما
.
ويصبح نفس الداء -في العالمِ- الدوا
ونفس الأذى يغدو مع الوقت بلسما
.
كأنَّا خيول الوقتِ ، نعتادُ صمتنا
إذا وضع الكاوي على الجلْدِ ميسما
.
تدرُّبنا الدنيا على (الحشْر)؛ بخْتَ مَنْ
تغذَّى بلحم الشمس منْ قبلِ مَا.. وما
.
سنعرف قدرَ الحزنِ حين يجيئنا
هنالك في ثوب الأجور مجسَّما
.
فترضى بمقسوم الشجونِ الذي إذا
بها خيروك، اخترتَ ما كان قُسِّمَا
.
أتاك الربيع الْحَرُّ مثلَ نبوءةٍ
تُفتِّحُ من فرط العذابات برعما
.
لتفهمَ أن الله يعطيك فرصةً
على طبق الإيمان إن كنت مسلما
..
أحمدأبوإلياس