أحمد حسن محمد يكتب.. من أسرار اللغة
إننا لا نستوعب أننا نمارس اللغة مثل ذلك الطفل الذي أمسك بمسدس أبيه، ووجد نفسه بارعًا في إطلاق الأصوات منه. الكلمات التي رآها النبي في رحلة المعراج ثيرانًا تخرج من جحر صغير، بكل ما للثور من دلالات يمكنها التجسد في قوى عقائد وتيجان وفرص لمزيد من الحياة بشكل خاص كذبح البقرة، ووضع النبي موسى يدَهُ على الثور ليكون له بكل شعرَةٍ سنةٌ… تلك الطاقات التي رآها الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في أن الله يخلق من الكلمات ملائكة، فإن كانت خيرًا كان منها ملَك رحمة وإن كانت شرًا كان منها ملَكُ نقمة…
إذن، نحن حين نتكلم نطلق كل هذه الطاقات إلى العالم المحيط، نحن حرفيًا نمسك ذلك المسدس الكبير، ونستمتع ببراعتنا في الإطلاق العشوائي، حتى ندمن ذلك بتقنين حضاري…
ما جعلني أكتب هذه الكلمات هو رعبي الحالي من لغة الشعراء وغيرهم من الفنانين التي -بلا شك لديَّ- صارتْ مصدرًا مرعبًا حقًا، وضخمًا، من الطاقات التي يطلقها الشعراء خصوصًا، في العالم المحيط… انظروا إلى حجم المعاني التي يطلقها الشعراء يوميًا، ويرددها وراءهم المغنّون وغيرهم، إن هذه المعاني المتجسدة مبدئيًا في جملٍ من كلماتٍ إنما تصبح طاقات محيطة تقيِّدُ سكّان هذا العالم بغرابات تكون غير مفهومة أحيانًا.. تجد الشاعر يتقمص دورًا كونيًا ويتحدث عن سفره في زحمة من إشكاليات الكونِ، هو لا يسافر في الحقيقة، ولكنه يتخيل أو يتقمص، ولو أن سفره كان حقيقيًا أو تلك التجربة التي يعبر عنها بكل هذا العمق حقيقيًا لكنا رأيناه قريبًا من حالة التطهيرات النبوية السماوية، لكنه في الواقع يسافر لغويًا وخيالاً، فيضيف طاقات هو نفسه لا يعي أنه يضيفها..
كالذي يحضِّرُ جنيًا دون أن ينتبه أنه حضر جنيًا، ودون أن يفهم كيفية صرْفه….
إنه يستمتع بالكتابة فقط، يستمتع وهو يتذوق خروقه للتابو الديني، يكتب بشجاعة عن شخصيته الرهيبة التي لا يشبهها أحدهم في تفردها وعظمتها، وهو يظن أن الأمر مجرد شعور نرجسي ويكتبه فقط، إن المعنى يرتد إليه، وطاقات كلماته تحيط به، وعى أم لم يعِ، ليصبح كمن أراد أن يبدو ضخمًا مثل الرجل ذي العضلات هناك، فظلّ يأكل حتى صار جسمه ضخمًا، ولكنها ضخامة دهون لا أكثر… وهكذا كلما كتبنا أو قلنا إننا نزيد دهون هذه الطاقة حولنا، والأمر غير محمود إطلاقًا..
…
الأسوأ في رأيي أن الشاعر قد يطلق كلمة أو جملة، ويقصد بها معنًى واحدًا معينًا في ذهنه، تؤديه هذه الجملة في الواقع، وهذا ما يظن أنه سيطلق طاقة وجودية واحدة، أو ثورًا واحدًا، أو ملكًا واحدًا، لكن الأغرب أن يكون لتلك الجملة أكثر من دلالة ممكنة، ووقتها توقظ طاقات إضافية، فتكون الإشكاليات أكثر، وأول من يكون له صلة بهذه الإشكاليات هو الشاعر نفسه..
ولقد رأيت كثيرًا من الشعراء -إلا من رحم ربك- بشخصيات هلامية لا يمكنهم النقاش حرفيًا، هم أشبه بطاقة متضخمة، وحين يأتون للنقاش تجدهم سطحيين وانفعاليين، بل إن شعورهم المتضخم بنرجسيتهم شيء فظيع، وهو شعور من السهل التنازل عندهم عنه في حالة كانوا أمام سلطة مادية ولو كانت سلطة أقل منهم علميًا وفكريًا وإنسانيًا، فرغم علمهم الأكيد بهذا إنما لا يمانعون في حين إنهم كانوا يمانعون حتى الاستماع لنصيحة لغوية أو نقدية من دكتور أو شاعر أو باحث!
…
هذا مؤشر على مشكلة كبيرة لا بد أن ينتبه لها الجميع، ولعله لهذا لم يكن ذلك التلوث الفوضوي فيما كتبه الأقدمون كما هو الآن في عصرنا حيث نشأت مدارس وتفننت في أيدلوجيات وآليات كتابة … لا أحارب هذا ولكن فقط أرجوكم كونوا حقيقيين بقدر المستطاع.. صحيح أن للفن متعة، ولكن ما رأيك في استمتاعك بضربات المسدس وهي تزيد من الضحايا المحيطين…
ليس مستخدمو الفيس بوك فقط من يظهرون على غير طبيعتهم فتجد الواحد فيهم في منتهى الرقي على صفحته، فيما هو في الواقع شخص سيئ، وإنما هناك نماذج أكثر تجسيدًا لهذه الحالة وأعمق، وهم الكتاب والأدباء و و و من حيث إنهم يكتبوا بشخصية مخادعة جدًا، يخادعون أنفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين والله، فالواحد منهم يكتب كأنه مصلح هذا الكون، وأنه سرُّ هذا الكون، وأنه نبي هذا الكون، وأنه المظلوم العظيم في هذا الكون، وأنه وأنه وأنه…. حامي حِمَى حُمَّى هذه التعددية التخيلية الإصلاحية التي تنتهي به أحيانًا للشعور بالدم الإلهي يسري في عروقه!!! كونوا حقيقيين حتى يستمر العالم بخير، يكفي ما يطلقه التجار في أثناء عرض بضائعهم المزيفة، والإعلاميون الذين يحرصون على الترويج لتربية خنازير الطاقة أو طاقة الخنازير، فضلا عن السياسيين و …. القائمة تطول..
إن كنا مسؤولين حقًا كما ندعي في قصائدنا، فعلينا أن نكون حقيقيين أكثر!
علينا أن نبحث بجدية عن إمكانية صرف هذه الطاقات التي أطلقناها بلا مسئولية في هذا العالم.
..
ومن نفس المنطق أرجو من الجميع أن يسبحوا ويحمدوا ويهللوا ويكبروا ويذكروا الله بأوراد دائمة، وأن يقرأوا القرآن باستمرار، مساهمة في نشر هذه الطاقات في المحيط..
لا تستمع إلى الأغبياء الذين يصفون المسبح بأنه ببغاء؛ بل حقيقةً هم الببغاوات.
اذكر الله بصدق وخشوع وصوت، فإن لم تستطع الخشوع فلا تتوقف عن ذكر الله، وأطلق الطاقات التي يعينك الله بها، هذا جهدك، وهذه طاقاتك التي تنتظرك!
أحمد حسن محمد