أمجد المصري يكتب..بين القيمة و الثمن
مازالت تلك الجدلية العميقة تؤرق عقلي ، هل كل ما له ثمن (حتي وإن إرتفع) له قيمة وضرورة فى حياتنا ؟
حين غابت معايير القيمة ، وطغت معايير الثمن ، تغيرت حياتنا كثيرًا ، فأصبحنا نقدر توافة الأمور والأشخاص لمجرد أنهم مشاهير يمتلكون منصات الشهرة والمال ، كل شىء اليوم يوزن بسعره لا بقيمته ، فلان يتقاضى الملايين نظير تقديم عمل سينيمائى أو فني أو حتي إعلامي ، إذا هو عظيم ، ولابد أن نتابعه ، حتى وإن كان مايقدمه من فكر ومحتوى شىء تافه لا قيمة له ، فلان يبيع مليون نسخة من روايته التي تقدم خيالا وعنفًا وإيحاءات وأفكارًا لا تليق ، ولكن لا يهم ، سنتابعه ، ونقرأ له ، لأنه تريند ومشهور .
من سيهتم بالقيمة ؟ لا أحد ، فلان ينفق الملايين ليصبح ذائع الصيت مفكرُا شهيرا أو سياسيًا رائجًا حتى وإن إفتقر إلى أبسط درجات الفكر والعلم ، حتى وإن لم يستطع التحدث لخمس دقائق دون أن يثير ضحكات مكتومه فى عقول مستمعيه ، لا يهم ، الأهم أنه ثرى ، يلتف الناس حوله ، ينفق هنا وهناك ، فهو اذا نجم النجوم ، ولا تحدثني حينها عن قيمة ما يحوية عقله من فكر أو علم ، بل أنظر الى بدلته الغالية التي جاءت من أوروبا ، وإلي سيارته الفارهه ، وتلك الحاشية التى تحيط به في كل محفل تنشد رضاه ، إنه نجم إذًا ، حتى وإن لم يتحدث بكلمة واحدة .!!
لماذا نحن فى تلك المنطقة الضحلة ؟ لم تكن معايير الثمن وطغيان المادة بهذا الشكل منذ سنوات قليلة أو كثيرة ، كان لدينا رموز فكرية وفنية وسياسيه وإبداعية تقدم قيمه يبحث عنها الناس في كل المجالات ، فتثرى وجدانهم وتنير ظلام عقولهم دون أن يكونوا من الأثرياء أو ممن ينفقون يمينًا ويسارًا ليروجوا بضاعتهم ، لم يكونوا أثرياء حقًا ، ولم يتقاضوا مثل تلك الأرقام الخيالية التى نسمع بها اليوم ، ولكنهم كانوا يقدمون قيمة حقيقية ظلّت باقية حتى الأن يعيش عليها القلة التي مازالت تجيد الفرز والإنتقاء .إلى متي هذا العبث الذى طال ، ومتي يعود أهل القيمة والفكر والابداع الحقيقى إلى صدارة مشهد أصبح شديد الفقر ، شديد السطحية ، لا عمق فيه ولا أثر له ، حتى وإن زينوه بكمٍ هائل من الإنفاق والترويج الإعلامي المبالغ فيه ، ولكنه يظل فقيرًا جدًا فى القيمة مهما صنعوا ومهما أجتهدوا …. يبدو إنه لا مجال للجدال حقًا ، فمن له قيمة سيظل دائمًا أفضل وأبقي وأعظم اثرُا ممن له مجرد ثمن .!!