كان .. يا ما كان …..!!!
فى واحده من أهم الظواهر التى تستحق الدراسة مؤخرًا في مجتمعنا المصري يبدو أن ظاهرة الحنين إلى الماضي المعروفة علميا (بالنوستالجيا) قد بلغت مداها بين قطاعات عريضة من أبناء هذا الوطن بكل أطيافه بل وأجياله . حتى يكاد الأمر أن يصل إلى درجة رفض الواقع بل وإنكاره من فرط الحنين إلى ماكان .. لماذا نحن فى هذه الحالة؟ وإن كان ذلك مقبولًا لدى أجيال الوسط والشيوخ التى عاصرت هذا الماضي فبمَ نفسر حنين أبناء جيل الشباب ايضا لما كان قائمًا قبل أن يولدوا ؟؟
فى حكاوي ومناقشات أهل مصر على المقاهي وفي مواقع التواصل ستجد تلك الحاله منتشرة. بل ربما لن يخلو حديث فى مجلس للأهل أو للأصدقاء دون أن يترحموا على أيام قد مضت وكيف كان حال الفن والفكر والثقافة بل والرياضة وحتي السياسة وعن تلك الأوزان النسبية التى تغيرت لتهبط درجه أو درجات في سلم الإبداع . حين تجلس مع أبناء جيل الشيوخ والوسط فيحدثونك عن شبابهم وكيف تربي وجدانهم على فكر وثقافة وذوق مختلف ومتنوع . سيحكون لك أنهم قد كان لديهم كل المدارس الفكرية والفنية وكان متاحا لهم أن ينهلوا من هؤلاء العمالقة الذين عاشوا وأبدعوا معًا فى توقيت واحد فأحدثوا زخمًا فى شتى مجالات الفكر والفن والسياسة وحتى فى لغة الحديث بل وفى شكل وأناقة ملابس الرجال والنساء وزى أطفال المدارس وطلاب الجامعة .
هل هى الحداثة قد أفقدتنا كثيرًا مما إعتدنا عليه سابقًا قبل أن تُغرقنا موجات التكنولوجيا العاتية وهذه الأنماط السلوكية والفكرية الهشة التى تنتشر بسرعة البرق بين رواد السوشيال ميديا ؟ هل هجر الناس الأصالة عن قناعه أم مجبرين حين خلت الساحه من إبداع رصين يحفظ لهذا الشعب هويته السمعية والفكرية؟ أين هم تلاميذ تلك الأجيال المبدعة التى مازالت تعيش بيننا بإبداعها حتى وإن رحلت الأجساد؟ لماذا لا يعيدون التفكير فى الإستفادة بما تعلموه من هؤلاء ليطوروه بشكل متوازن يلائم العصر ولا يفقد روح الأصالة والقيمة التى كانت تفوح فى جنبات الوطن فكرًا وفناً وثقافة وذوقًا ؟
أين تلاميذ وأبناء المبدعين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والعقاد ويحى حقي وأم كلثوم وعبد الوهاب وسيد درويش والسنباطى وحليم وبليغ والموجي ويحي العلمي وأسامه أنور عكاشه ومحمد فاضل ومحمد صفاء عامر وفاتن حمامة وعمر الشريف والسعدني ويوسف شاهين وخيري بشاره ومحمد خان والريحاني وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وصالح سليم والخطيب وحسن شحاته واحمد بهاء الدين وموسي صبرى ويوسف إدريس ….. أين من تعلموا من هؤلاء وغيرهم كيف يبدعون دون إسفاف او إبتذال ودون إستجداء المشاهد أو النزول إلى مستوى لا يليق بمبدع من اجل المال و الشهره؟
ليس الأمر بسيطًا حتى وإن بدا كذلك . فهذا ذوق يتغير وفكر يندثر وعمق يختفي تحت ضربات ولعنات التريند والتيك توك والمهرجانات ودراما العنف والقيم الأسرية المنحلة ومسارح اللهو دون قيمة أو رسالة ورياضة كلها تعصب وشحن وسباب وفُرقه بين الجميع .. ليس الأمر هينًا فهذا وطن يسرق من ماضيه وقيمته وريادته بين الأمم .. هل نجد إجابة لكل تلك التساؤلات أم يظل الحال كما هو لنهوى أكثر وأكثر فى دوامة الحنين إلى الماضي ونظل نردد بكل حسره : كان ياما كان..؟؟