إبتسام عبد الرحمن الخميري تكتب.. الهروب إلى الـــرّحيل
بقلم الأديبة التّونسيّة إبتسام عبد الرحمن الخميري
لم تشأ التّلفظ بأيّ حرف. استفاقت من نومها و الغربة تجتاح مكامنها. البارحة رأت حلما غريبا.عفوا، لقد كان حلم رائعا. حدّ الرّقص. هكذا رقصت ” وجدان” مع رسوم حلمها البارحة. رسوم مكتنزة أملا و حلما…
السّاعة السّابعة صباحا. كانت الغرفة مبعثرة. هي تكره اللاّ نظام. و في ذات الوقت تعشقه. تماما كشبح حبيبها المرتحل على الدّوام. شبح يظهر فجأة و يغيب فجأة. بلا موعد التقته. و بلا موعد يرفل دونها…كما الألوان الزّاهية، اختمرت وعودا. لكنّه لم يكن معها.كانت وحدها تراقص اللّحظات الرّائعة التي جمعت بينهما….
صوت آلة طهي القهوة يغرقها في يمّ ذكراه. و أصوات الشّبان الوافدين على المقهى يدغدغ الحنين إليه. و قد أمضت البارحة معه. نعم، رأته البارحة يطرق المنزل الكبير الضّخم حيث تمضي أمتع الأوقات. لكنّ صوت “محمّد” الطّفل البريء ابن السّابعة من العمر هزّها إليه…
صرخ بصوته الطّفولي:
– هيّا، إنّه ينتظرك بالخارج.
فجأة، توقّف هرج الجميع. ران الصّمت و انبرت تركض نحوه. فتحت الباب فكان شبحه جاثما أمامها. دون عناء ألقت برأس مفعم بالشوق و الحنين على صدره. همست له بصوت حنون:
– اشتقت إليك.
ابتسم. لأوّل مرّة تراه يبتسم. أخيرا ابتسم و هي تحضنه ثمّ أخذ يردّد بصوته الأجشّ:
– اشتقت إليك، نعم، أنا فعلا اشتقت إليك، نعم صدّقيني لقد اشتقت إليك.
رفعت ” وجدان” رأسها لتراه دامع العينين. ارتجفت شفتيه و جذبها نحوه بحنوّ و استطرد قائلا:
– نعم، كنت قد قابلتهما. و أحببت كليهما بل و قد خطبت كليهما، لكنّني كنت واهيا. أنت الوحيدة من أحببت. صدّقيني ” وجدان”.
صوت المنبّه أفزعها كما أفزعها صوت النّادل و هو يطلب ثمن القهوة الماثلة أمامها. ابتسمت بغلاء و تنهّدت تنهيدة عميقة و طوت الأوراق التّي أمامها و نهضت.
سارت في الشّوارع.. بلا روح. جسد مكلّلا بالأرق. استوقفها إعلان ضخم و عليه صورته، مكتوب تحته: ” انتحار شاب في ظروف غامضة.”