إعداد – دكتور نادر الصيرفي المحامي والباحث المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين
ثارت في الفترة الراهنة عدة تساؤلات تتعلق بمدى التزام الزوجة المسيحية بطاعة زوجها وموقف القانون الإجرائي رقم ( 1 ) لسنة 2000 من تحديد القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق على النزاع بين الزوجين في هذا الشأن وآلية صدور الأحكام في تلك المنازعات وهل تصطدم تلك الأحكام بالمادة ( 11 مكرر ثانياً ) من المرسوم بقانون رقم ( 25 ) لسنة 29 المتعلقة بإنذار الطاعة والاعتراض عليه والمضافة بالقرار بقانون رقم ( 44 ) لسنة 1979 والمضافة أيضاً بقانون رقم 100 لسنة 1985 والتي قررت حكم وقف نفقة الزوجية من تاريخ الامتناع عن الطاعة.
أولاً : موقف شريعة الأقباط الأرثوذكس من الالتزام بالطاعة :
نظمت لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938 مسألة الطاعة بالمواد من 45 حتى 48 بالفصل السابع منها تحت عنوان حقوق الزوجين وواجباتهم.
وقد جعلت لائحة الأقباط الطاعة التزاماً على الزوجة بقولها : ” ويجب على المرأة إطاعة زوجها فيما يأمرها به من حقوق الزوجية ” ( الفقرة الثانية من المادة 46 ).
والمقصود بالطاعة هنا هو إلتزام المساكنة، فمن واجبات الزوجة المسيحية أن تسكن مع زوجها في منزله وأن تتبعه وتسافر معه أينما سار في أي مسكن يختاره لإقامتهما.
وقد ذهبت الشريعة المسيحية إلى أبعد من ذلك حين ألزمت الزوجة لا بمجرد الإقامة بل عليها أن تقوم بخدمته وملاحظة شئون بيته والمحافظة على مال الزوج دون اختلاط بينهما في الحقوق المالية.
ثانياً : موقف لائحة الأقباط الأرثوذكس من الإخلال بواجب الطاعة:
يسقط حق الزوجة في النفقة في الحالات الآتية :
إذا تركت مسكن زوجها دون مسوغ شرعي.
إذا أبت السفر معه إلى الجهة التي نقل إليها محل إقامته دون سبب مقبول.
إذا صممت على سكن أحد من أهلها معها.
إذا رفضت الانفاق على زوجها المعسر وهي قادرة على الكسب. (المادة 151 – محكوم بدستوريتها).
إذا تنصلت عن مواساة الزوج عند مرضه.
إذا أخلت بتربية الأبناء.
ثالثاً : الطاعة في المسيحية ليست مطلقة بل مشروطة بقيام الزوج بواجباته :
يشترط لوجوب الطاعة :
تقتصر الطاعة على الواجبات الزوجية دون الحقوق المالية .
يجب أن يسكن الزوج الزوجة في مسكن على حدة ولا يكون مشتركاً ويكون مناسب لحالة الزوجين.
يجب على الزوج حماية زوجته ومعاملتها بالمعروف ومعاشرتها بالحسنى.
يلتزم الزوج بالإنفاق على زوجته بقدر حاجتها ووفقاً لقدرته المالية أو يساره.
لا يجوز للزوج أن يسكن أحد من أقاربه معه.
رابعاً: عدم خضوع طاعة الزوجة المسيحية للشريعة المسيحية في شأن الاختصاص والاجراءات:
الثابت في قضاء محكمة النقض أن في خصوص ما يتبع في دعوة الزوج زوجته للدخول في طاعته واعتراضها على ذلك أمام المحاكم الابتدائية أنما هي من قواعد الاختصاص ومسائل الاجراءات فإنها تسري على جميع منازعات الطاعة أيا كانت ديانة أطرافها. (الطعن رقم 377 لسنة 63 ق . جسلة 19/5/1998).
ويبنى على ذلك في شأن التنظيم القانوني فيما يتعلق بطاعة المسيحية نفرق بين مسألتان:
بالنسبة للاختصاص والإجراءات :
يخضع للقواعد العامة وقانون المرافعات المدنية والتجارية. ومثال لذلك اعتراض الزوجة على انذار الطاعة خلال 30 يوم يخضع للمادة 11 مكرر ثانياً من القانون رقم 25 لسنة 1929 دون لائحة الأقباط الأرثوذكس وتطبق في شأن تحقق العلم به وفقاً لقواعد قانون المرافعات.
بالنسبة للمسائل الموضوعية :
يخضع للقواعد الخاصة وفقاً لما جاء بلائحة 1938 أما خلو لائحة الأقباط الأرثوذكس من أي مسالة موضوعية أثره عدم التزام المحكمة بتطبيقه دون الرجوع لأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة، ومثال لذلك فإن خلو لائحة الأقباط الأرثوذكس مما يوجب عرض الصلح في مسائل الطاعة أثره عدم التزام المحكمة بعرضه على الطرفين. والسبب في ذلك أن الصلح من المسائل الموضوعية وليس من مسائل الشكل أو الإجراءات.
خامساً: أثر خلو لائحة الأقباط الأرثوذكس من قواعد خاصة في الاثبات في مجال الطاعة:
تحدثت عن القانون الواجب التطبيق في مسألة طاعة المسيحية فيما يتعلق بمسائل الاختصاص والإجراءات وايضاً المسائل الموضوعية، وبقى التعرض لمسائل الإثبات في دعوى الاعتراض على انذار الطاعة، وبالرجوع إلى لائحة الأقباط الأرثوذكس نجد أن اللائحة لم تنظم قواعد خاصة بالإثبات، وهنا تثور إشكالية تتعرض إليها السيدة المسيحة التي تريد اثبات أوجه الاعتراض الموضوعية طبقاً لشريعتها لاسيما أن الشهادة هي وسيلة الاثبات الأساسية للاستدلال في مثل هذه الدعاوى.
وقد حسمت محكمة النقض هذه المسألة في حكم لاحق لصدور قانون محكمة الأسرة، وقضت أن في الدعوى رقم 596 لسنة 66 قضائية – بجلسة 19/6/2006 أن خلو لائحة الأقباط الأرثوذكس من قواعد خاصة بطريق الاثبات وعدم تقييدها الشهادة بقيد أثره قبول الشهادة ولو كانت سماعية متى اطمأنت إليها.
سادساً : مفهوم الاحتباس في شريعة الأقباط الأرثوذكس :
قررت محكمة النقض بالطعن رقم 34 لسنة 36 قضائية بجلسة 25/11/1996 أن السبب في وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو العقد الصحيح بشرط الاحتباس أو الاستعداد له تحقيقا لمقاصد الزواج، فإذا فوتت عليه حقه في الاحتباس فلا تجب لها النفقة عليه. وعلى هذا فليس لها أن تمتنع عن مساكنته بغير حق في المسكن الذي يعده لها متى توافرت فيه الشروط الشرعية، لأن اساس الحياة الزوجية أن تعيش الزوجة مع الزوج حيث يقيم. لما له عليها من حق الطاعة استيفاء لحقوقه المقررة بمقتضى عقد الزواج.
ويفهم من ذلك أنه ليس المقصود بالاحتباس مجرد احتباس الزوج للزوجة على ذمته – دون تطليقها – بل أن مفهوم الاحتباس أوسع من ذلك، فهو حق الزوج في استيفاء حقوقه الزوجية من الزوجة لأنه من واجبات الزوج – وفقاً للائحة الأقباط – أن يعاشر الزوجة بالحسنى، فإذا فوتت عليه هذا الحق أو غيره من الحقوق بخروجها عن طاعته فلا نفقة لها عنده، وهذا أمر بديهي فأي حق في القانون يقابله إلتزام من الطرف الآخر.
وتستحق الزوجة النفقة أيضاً إذا كانت مستعدة للاحتباس، أي الاستعداد للقيام بواجباتها، وأن خطأ الزوج يستغرق حقه في الطاعة بمعنى أنه يتجمع لدى الزوجة من الأسباب المعقولة التي تبرر امتناعها عن الطاعة، كأن يكون الزوج لم يوفر لها المسكن اللائق بأمثالهما أو كأنه يسكن معه أحد أقربائه بمسكن الزوجية أو أن لا يعامل زوجته بالمعروف.
سابعاً : قواعد خاصة في شريعة الأقباط الأرثوذكس مغايرة للقواعد العامة :
ليس للزوجة أن تعترض على سكني أولاد الزوج من امرأة أخرى معها. (م149).
لا يحول اعسار الزوج دون طاعته. ( م151 – محكوم بدستوريتها).
لا يشترط أن يدفع الزوج لزوجته المهر . ( م 74 ).
النفقة تدور وجوداً وعدما تبعا لتغير أحوال الزوج والزوجة وليس الزوج وحده (م143).
للزوج أن يباشر بنفسه الانفاق على زوجته. ( 148 )