آراء حرة

الأستاذ الدكتور هاني عيسى الفقي يكتب..العاصمة الجديدة – حفاظاً على القاهرة التاريخية

 

في سياق محاولات مصر للنهوض إقتصادياً عن طريق إعداد مشروعات تساهم في التنمية المتكاملة للدولة تعليمياً أولاً إقتصادياً ثانياً متمثلاً في الصناعة والزراعة والتجارة، ما زال التفكير الجماعي الآن يناقش كيفية النهوض بالإنسان المصري من أجل تحقيق تنمية مجتمعية مستنيرة.

ومن منطلق ” نحن نشكل عمراننا ومن ثم يشكلنا هذا العمران ” كان لابد من التفكير جدياً في مشروعات عظيمة تساهم في بناء مجتمع مصري حديث ومنفتح على العالم تكون بمثابة خطوة أولى نحو إستعادة نبل الريادة والسير قدماً نحو الموجة الثالثة لحضارة لا ينبغي لها ولن يكتب لها أن تندثر.

وحيث أن القاهرة بزخمها الحضاري والتراثي وبالضرورة أيضاً باقي المدن المصرية القديمة، وكفايتهم ذاتياً من المشروعات، كان لابد من التفكير في المدن الجديدة والتي تمثل نواة ومراكز حضارية تمهد لإنطلاق إمتداد لحضارة مصرية أصيلة ومنها إلى رحاب العالمية ولتحقيق طموحات وأحلام المصريين. والأهم هو الحفاظ على القاهرة التاريخية وكافة المدن ذات الطابع التراثي التاريخي الهام وعدم المساس بأي تراث أو أثر قد تضطر الدولة إلى المرور بمحازاته مثلاً لتطوير أو توسعة أو إنشاء جديد۔

لقد إرتبطت فكرة إنشاء المدن الجديدة بفكرة حضارة وادي النيل بكل إنجازاتها وتطوراتها ومحطاتها التاريخية حيث نبعت من طبيعة وعبقرية الأماكن التي إرتبطت بجغرافية وادي النيل ولهذا فإن الوادي هو أساس شخصية مصر وحضارتها، ومن هنا جاءت فكرة المدن الجديدة لتمثل نواة ومراكز نحو العالمية وتحقيق طموحات وأحلام المصريين بعد ثورتين شعبيتين كبيرتين. ومن هنا ظهرت فكرة العاصمة الجديدة وغيرها من المدن الجديدة المتاخمة إلى المدن القائمة۔

تأتي الفكرة من خلال تقديم مفهوم رئيسي وهو أن المدينة ليست مجرد منطقة إسكان وإنما مكاناً للحياة منه تنبع وتتدفق تفاصيل الحياة اليومية لقاطنيها وتسير في شرايينها مثلما كانت دائماً المدينة المصرية على مدار تاريخها هي واحة الحياة، ويتيح تخطيط المدينة تشكيل خلايا إجتماعية منسجمة وفراغات مرنة متدرجة إلى ساحات رحبة تسمح بممارسة الحياة الإجتماعية لقاطني المدينة ومكاناً آمناً للعائلات والأطفال. ويأتي هنا مفهوم العدالة الإجتماعية وتمتع ساكنيها بجودة حياة بحيث تعبرعن أحلام وطموحات المصريين حيث يتميز بترابط إجتماعي يلبي الإحتياجات الملحة للتنمية المستدامة بكافة مستوياتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والعمرانية ويحقق المعدلات العالمية لنصيب الفرد من المساحات الخضراء المفتوحة والخدمات الصحية والتعليمية، ويعتمد مفهوم الرؤية المستقبلية للمدينة على تحقيق أبعاد تنموية تعطي تصوراً عاماً للمدينة في المستقبل ويعتمد على تحقيق مبدأ الإستدامة في بناء حضارة ومستقبل جديد في ضوء مبادئ جودة الحياة للسكان۔ كما تؤكد الرؤية على أهمية تبني المفهوم الأشمل للتنمية بما يستوعب الأبعاد الروحانية والإنسانية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية والإدارية، إلى جانب البعد البيئي.

وتحدد الرؤية المستقبلية ما سيؤول إليه الموقع خلال فترة زمنية محددة في ضوء المتغيرات المتعددة التي سوف تطرأ على الإقليم في كافة المجالات وذلك عن طريق تحديد مجموعة من الأهداف يتم تحقيقها والإنتهاء منها بإكتمال سنة الهدف المنشودة من المخطط و لقد إعتمدت الرؤية المستقبلية في صياغتها على الإستفادة من الموارد المتاحة بالموقع مع تيسير كافة المحددات التي تعوق التنمية بالموقع . 

كما أنها إعتمدت على تعزيز الدور الإقليمي الرائد وذلك من خلال تمكين إقتصاد ومنتج ثقافي ومعرفي قادر على الإستدامة والمنافسة الدولية والإقليمية و توفير نوعية حياة متميزة، ومجتمعات محلية نابضة ومتكاملة تساهم في خلق الثروة المستدامة وتشارك في توزيعها العادل وأن تكون هذه المدن الجديدة مراكز للتنمية والمعرفة بحيث تقوم على الاستفادة من التدفق الإستثماري المتزايد بكل بحيث تعمل على الإستفادة منه وتدعيمه بتوفير الخدمات الأساسية اللازمة له كحلقة وصل وتعظيم الإستفادة من جميع المقومات المتاحة للقيام بالدور المطلوب وتصبح مركز حضاري جديد يمثل قطب تنمية قومي يجمع الإستعمالات المختلطة و الإستثمارات التنموية في إطار تنمية مستدامة لإقليم القاهرة الكبرى.

وفي ظل تزايد إهتمام المستثمرين فهذه المدن الجديدة وخاصة العاصمة الإدارية الجديدة تقوم بدور حلقة الوصل بين التدفقات الإستثمارية بين إقليمي قناة السويس والقاهرة الكبرى.

تستهدف الرؤية المقترحة إلى وضع هذه المدن كقطب إقتصادي ذو ثقل نظراً لما تحتويه على مقومات حالية تمكنها من أن تلعب هذا الدور الإقتصادي فضلاً عما تتمتع به من مزايا المواقع الجغرافية، كما توجد مقومات يمكن إستغلالها بشكل يمكن معه تحقيق الأهداف المرجوة والوصول لرؤية مستقبلية وإستراتيجيات تنمية تجعلها نموذجاً في أساليب ومنهجيات التخطيط الحديث والتي تتضمن مفاهيم التنمية العمرانية المستدامة إقتصادياً وإجتماعياً وبيئياً بالإضافة إلى تمكين التنمية المستدامة من خلال تطبيق مبادئ الحكم الجيد مثل العدل والشفافية والمسئولية والمساءلة والمشاركة والشراكة والإدارة الجيدة. وقد حققت المدن الجديدة مسئوليتها الإجتماعية من خلال توفير أنماط مختلفة من الإسكان بالإضافة إلى الأنماط المرتفعة المستوى والمجتمعات المغلقة. 

ونظراً للمواقع المختلفة للمدن ومساحتها وعلاقتها المكانية بالتجمعات العمرانية تأتي أهمية تقوية عملية الربط والإتصالية من خلال الإستفادة من إمكانيات البنية التحتية القائمة مثل تخطيط خطوط للقطارات الكهربية والمونوريل والمواصلات عامة لتتيح ربط أجزاء المدينة المختلفة بمواقع الأنشطة والخدمات لتقليل نسب تلوث الهواء وتفادي الإزدحام المروري المتوقع وتقليل زمن رحلة العمل اليومية للسكان وبذلك يمكن تحقيق رؤية شاملة لمفهوم الإستدامة لشبكة المواصلات خارج وداخل المدن الجديدة. ومن خلال الرؤية العامة للمشروع ومن خلال التحليلات المختلفة التي تمت من دراسات الوضع الراهن وجميع الأبحاث والدراسات التي تناولت المشروع والتجمعات العمرانية المحيطة، يمكن تحديد مجموعة من الأهداف العامة كما يلي:

وضع المدن الجديدة على خط السباق والمنافسة من خلال مخطط يعتمد على أحدث النظريات والأفكار التنموية والإقتصادية.

إقامة مدن حضارية يمكن لها أن تقوم بدورها كنواة لمدن ذكية مستدامة مستقبلية لمصر.

إقامة مدن تكنولوجية حديثة تعتمد على أحدث ما وصلت إليه وسائل الاتصالات والمعلومات وتعتمد عليها في بناء إقتصاد معرفي يدعم العناصر التنموية للمدينة. 

النهوض بالمستوى العمراني من خلال توفير مناطق عمرانية جديدة تحقق جودة للحياة تدفع ساكنيها للتقدم والتنمية .

إستغلال مواقع المشروعات بما يحقق أكبر عائد إقتصادي.

ملائمة الإستعمالات المقترحة بالمدن الجديدة مع القيمة الإقتصادية للأراضي.

خلق أنشطة إستثمارية تحقق أكبر عائد إقتصادي وتشكل مناطق جذب إستثماري عالمي.

تحقيق التكامل الإقتصادي والترابط الوظيفي مع المشروعات القومية المحيطة.

خلق بيئة عمرانية ذات طابع عمراني متميز تتكامل مع البيئة المحيطة.

توفير الخصوصية الملائمة للطبيعة الوظيفية المقترحة للمناطق الرئيسية للمخطط العام.

مراعاة البعد السياسي والأمني عند إعداد المخطط العام طبقاً لطبيعة المشروعات۔

ومن عرض الأهداف العامة يمكن الوصول إلى الأسلوب الأمثل للنمو العمراني للمدن الجديدة فيما يلي :

خلق مركز إقتصادي يقوم بدور هام في الإنطلاقة الإقتصادية والتنموية للدولة.

فتح آفاق تنموية جديدة وتوفير فرص عمل متنوعة.

إيجاد قاعدة إقتصادية متنوعة سكنية سياحية خدمية تتكامل مع مواني ومطارات.

دعم الخريطة الإستثمارية من خلال أنماط تنمية متعددة (سكنية وسياحية و خدمية و صناعية ).

جذب رؤس الأموال المحلية و الأجنبية للمساهمة في دفع جهود التنمية وتوفير مناطق تنموية متميزة 

الحفاظ على القيمة التاريخية والتراثية لمدينة القاهرة والمدن القائمة۔

المرونـة في الإستجابة والإحتواء لأوجه وإحتمالات التغييـر في إستراتيجيات التنمية وسياساتها العامة سواء بالنسبة للقطاع الإسكاني أو الخدمي.

التأكيـد على مشـاركـة القطـاع الخـاص والهيئـات في تطـور ونمـو مراحـل المشـروع وذلـك مـن خـلال المناطـق التي تـم تخصيصهـا للمسـتثمريـن والأنشـطة ودراسـة إمكانيـة تفـاعلهـم مـع النمـو العضوي والحيـوي. 

أن تتكامـل إتجـاهـات وأسـاليب التنميـة العمرانيـة حتى لا يتسـبب عـدم التكامـل في حـدوث إعـاقـة لنمـو المشروع ككـل في صيغته المتكاملـة.

ومن العرض السابق يمكن تحديد المؤشرات التي ستنتج من إنشاء هذه المدن، والوصول إلى المساهمة فى إعادة توزيع الخريطة السكانية وإيجاد تجمع حضري جديد يمثل نواة للنمو العمراني المستقبلي وتحقيق الترابط والتكامل مع محور تنمية قناة السويس ووضوح التشكيل العام وبساطته وإقتصاده وتقسيم الموقع إلى قطاعات وظيفية متكاملة يربط بينها شبكة طرق ذات تدرج هرمي واضح يتم تخصيص كل قطاع لوظيفة معينة بحيث تحقق الخصوصية لكل نشاط على حدة ووجود محور رئيسي تتوزع حوله الإستعمالات المختلفة وتحقيق التدرج الهرمي لشبكة الطرق لتحقيق المرونة و سهولة الحركة والإتصال والفصل بين حركة المشاة والسيارات ومراعاة توفير مناطق خضراء ومفتوحة ذات مساحات شاسعة لتأكيد مفهوم المدينة الخضراء في ظل إستدامة التنمية البيئية المستهدفة مع مرتع طبيعي وطبوغرافية الموقع والممرات ومجاري السيول و الأمطاربالموقع ككل. وبالتأكيد فإن من أهم وأسمى أهداف بناء العاصمة الجديدة هو الحفاظ على القاهرة التاريخية وتنميتها وتطوير أحيائها۔ 

أ۔د۔ هاني عيسى الفقي

أستاذ وإستشاري التخطيط الحضري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى