آراء حرة

الأستاذ الدكتور هاني عيسى الفقي يكتب..القاهرة التاريخية Vs العاصمة الجديدة

 

يمثل التراث جزء هام من واقع الشعوب لأهميته في بناء الشخصية الوطنية بجانب دوره الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والسياسي والروحي۔ فالموقف الحالي للتعامل مع التراث ليس إلا إنعكاس لواقع الفكر الحالي الذي يعكس حالة الإنقسام المجتمعي بين التاريخ والحداثة بين مؤيد ومعارض۔

يتمثل الرأي الأول بالدعوة إلى حفظ التراث لكونه حلقة التواصل المادي المحسوس بين الماضي والحاضر، والرأي الثاني بالدعوة إلى عدم الإكتراث بالتراث والإنطلاق نحو التحديث شاملاً المدن والقرى معتمداً على النمط الغربي۔

ويعتبر التراث العمراني أحد أبرز أشكال التراث الثقافي، لذا، فالسؤال الدائر الآن: هل يمكن أن تفقد القاهرة التاريخية مكانتها ودورها فتضيع ملامحها العمرانية والإقتصادية مع إنشاء عاصمة جديدة وخروج القاهرة من أطرها التاريخية ؟۔

إن الجهود المبذولة الكبيرة للحفاظ على التراث المصري أصبحت في مقدمة الأولويات الوطنية ويؤكد ذلك إنشاء لجنة قومية عليا للحفاظ على القاهرة التراثية (التاريخية والخديوية والمسجلة)۔ وقد تم التصدي للمشاكل التي كانت تواجه عمليات الحفاظ على القاهرة التاريخية من خلال قوانين وتشريعات بهدف حماية التراث القومي من مباني ومواقع ومناطق تاريخية ذات قيمة تراثية مميزة۔ هذا بالإضافة إلى ماقام به الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بعمل مشروع خريطة القيمة وهو عبارة عن قاعدة بيانات شاملة تقوم على تجميع كل البيانات المتعلقة بكل القيم التراثية والتاريخية لعناصر النسيج التاريخي للقاهرة۔

ويصل بنا الحديث إلى عدة أسئلة هامة:

ما هو مصير القاهرة التاريخية ؟

هل يمكن أن تفقد القاهرة التاريخية مكانتها مع إنشاء عاصمة جديدة ؟

كيف لهذا الكيان التاريخي أن يستمر ويقاوم تحديات التطور ومتطلبات العصر ؟

لقد واجهت القاهرة التاريخية بالفعل تحديات كثيرة كادت تغير من ملامحها مثل شق الشوارع والطرق داخل نسيجها العضوي المتشابك كما حدث في البداية مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1797م۔ حيث تم شق شارع جوهر القائد لفتح الطريق أمام حركة نقل معدات الجيش وكذلك إزالة البوابات عند مداخل الحارات للدواعي الأمنية۔

 آيضاً عند إنشاء القاهرة الإسماعيلية (نسبة إلى الخديوي إسماعيل ) كما كانت تسمى باريس الشرق، في منتصف القرن ال 19 حيث تم شق بعض الطرق قاطعة نسيجها العمراني مثل شارع محمد علي بطول 2كم۔ وشارع كلوت بك سنة 1872م۔ كما تم إزالة مباني كثيرة عند تخطيط القاهرة الإسماعيلية وتكوين ميادين جامعة تصل إليها الطرق كما حدث بميدان العتبة الخضراء وإزالة بعض القصور۔ كما أدى ظهور أحياء جديدة مثل هليوبوليس والمعادي وجاردن سيتي والزمالك إلى حركة إجتماعية تتمثل في خروج سكان القاهرة التاريخية إليها وحدوث تغيير كبير في الخريطة الديموغرافية للقاهرة۔ 

إن القاهرة التاريخية تحتاج إلى تطبيق صارم حازم لضوابط التحكم في عمرانها وتحقيق السيطرة داخلها على الحركة الآلية المتمثلة في حركة السيارات والآليات بمختلف أنواعها ومواكبة التطور العالمي من أساليب صديقة للبيئة والذكاء الإصطناعي وذلك عن طريق تطبيق الواقع التخيلي للحفاظ على القيمة التراثية للقاهرة التاريخية۔ وبذلك نكون قد حققنا تعادل المعادلة المحتم حدوثها مابين تطور وحداثة متمثل في العاصمة الجديدة وحفاظ على التراث وتطويره متمثل في القاهرة التاريخية۔ وينطبق كل ما تكلمنا عنه عاليه على كل المدن التاريخية بالدولة۔

أ۔د۔ هاني عيسى الفقي

أستاذ وإستشاري التخطيط الحضري

  

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى