الأستاذ الدكتور/ وليد محمد وهبه يكتب .....فسخ و انحلال الرابطة العقدية (العقد)
انحلال العقد هو زوال الرابطة القانونية التي ربطت المتعاقدين بموضوع العقد. ويشترط في الانحلال سبق الانعقاد. ومن هنا يظهر الفرق بين انحلال العقد وبطلانه. ففي البطلان يكون للعقد وجود حسي فقط فلا يكتسب وجوده الاعتباري في نظر المشرع، فالعقد لا ينعقد أصلاً في حالة البطلان. أما في الانحلال، فالعقد منعقد ومنتج لآثاره بين طرفيه، ولسبب ما يزول بعد الوجود. وهذا السبب قد يكون مرافقاً لنشوء العقد، كما في العقد القابل للإبطال. وقد يكون طارئاً بعد وجود العقد، كما في الفسخ والانفساخ. والمبدأ هو أن يقع الانحلال بأثر مستند، أي بأثر رجعي، ولكن تشذ عن هذا الأصل العقود المستمرة، إذ يقع الانحلال فيها بأثـر مقتصر، أي من دون أثر رجعي.
ويختلف انحلال العقد عن انقضاء الالتزام العقدي، إذ يؤدي تنفيذ الالتزامات العقدية إلى انقضاء تلك الالتزامات، وهذا هو الوفاء، وهو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزامات. كما يمكن أن تنقضي الالتزامات الناتجة من العقد بغير طريق الوفاء، بموجب أسباب انقضاء خاصة نص عليها القانون. ولكن العقد الذي أنشأ تلك الالتزامات لا ينحل ولا ينقضي، بل يبقى سنداً لها وللوفاء بها. فعقد البيع مثلاً بعد تنفيذه لا يزول، بل يبقى هو سند الملكية للمشتري في المبيع. وقاعدة عدم انحلال العقد ليست مطلقة، وإنما يرد عليها نوعان من الاستثناءات، النوع الأول خاص ببعض العقود، كالرجوع في الهبة؛ وأما النوع الثاني فهو أسباب عامة للانحلال، كالفسخ والانفساخ.
كما يختلف انحلال العقد عن التقايل أو الإقالة أيضاً، إذ التقايل هو عقد جديد ينتج آثاراً عكسية للعقد الأول. فإذا تقايل المتبايعان وجب رد المبيع إلى البائع، ورد الثمن إلى المشتري، فهنا المشتري صار بائعاً، وأصبح البائع مشترياً. ويقع التقايل بأثر مقتصر، أي بلا أثر رجعي، ولكن يجوز أن يتفق المتعاقدان على أن يقع بأثر رجعي. ولكن هذا لا يؤثر في حقوق الغير التي يمكن أن تنشأ قبل الإقالة.
وكذلك يختلف الانحلال عن الإنهاء، فالإنهاء هو وضع حد لاستمرار العقد في المستقبل، ويكون في العقود الزمنية، ويقع دائماً بأثر مقتصر. ويختلف انحلال العقد عن وقف العقد، فالانحلال يؤدي إلى زوال العقد بأثر رجعي، في حين أن وقف العقد يؤدي إلى تعليق تنفيذه. وأهم أسباب انحلال العقد الفسخ، والانفساخ.
كما فرق القانون المدني بين فسخ العقد وبين انفساخه. وفسخ العقد يكون نتيجة عدم تنفيذ الالتزام الناجم عن خطأ المدين، في حين أن انفساخ العقد يكون نتيجة عدم تنفيذ الالتزام الناجم عن سبب أجنبي. والفسخ على أنواع، إذ الأصل فيه أن يكون بناءً على طلب يخضع لسلطة القاضي التقديرية، وهذا هو الفسخ القضائي وهو الأصل. ولكن يمكن أن يكون الفسخ اتفاقياً، وذلك بموجب شرط فاسخ اتفاقي صريح ينص عليه العقد، وهذا هو الفسخ الاتفاقي. وأخيراً يمكن أن يكون الفسخ في حالات استثنائية بإرادة الدائن المنفردة.
1ـ الفسخ القضائي: في العقود الملزمة للجانبين، إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه العقدي فإن القانون أعطى الحق للمتعاقد الآخر في أن يطالب بالتنفيذ العيني، أو أن يطالب بالتنفيذ عن طريق التعويض، أو أن يطالب بفسخ العقد. والتنفيذ العيني هو أثر من آثار الالتزام، فهو يدخل ضمن الأبحاث المتعلقة بأحكام الالتزام. أما التنفيذ بطريق التعويض فهو موضوع المسؤولية العقدية.
2ـ الفسخ الاتفاقي: نص القانون على أنه يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه”. وهذا ما يسمى في الفقه بالشرط الفاسخ الصريح.
أ ـ مفهوم الشرط الفاسخ الصريح: الشرط الفاسخ الصريح هو اتفاق الطرفين حين انعقاد العقد على اعتباره مفسوخاً إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته. من ثم يكون له آثار الفسخ القضائي نفسها، إلا أنه يشكل قيداً على السلطة التقديرية للقاضي إذا توافرت شروطه. وبذلك يمتاز الشرط الفاسخ الصريح من التقايل في أن التقايل هو اتفاق المتعاقدين، بعد انعقاد العقد وفي أثناء تنفيذه، على إنهاء العقد. فالتقايل عقد جديد ملزم للجانبين وينتج آثاراً هي عكس آثار العقد الأول.
ب ـ حكم الاتفاق على الفسخ: يمكن للمتعاقدين إدراج شرط في العقد يمكن من خلاله اعتبار العقد مفسوخاً إذا ما أخل أحد المتعاقدين بالتزامه، والغاية من إدراج هذا الشرط هي تقييد السلطة التقديرية للقاضي في مسائل الفسخ، ومن ثم إخراج الفسخ الاتفاقي من نطاق هذه السلطة الممنوحة للقاضي في الفسخ القضائي. لذلك فإن القضاء يتشدد في تفسير نص تلك المادة. فقد أكدت محكمة النقض على أن الشرط الفاسخ لا يرتب الفسخ حتماً بمجرد أن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، إلا إذا كانت صيغة الـشرط صريحة الدلالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحقق الإخلال بالالتزام.
ومن ثم فإن الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً حكماً عند الإخلال بالالتزامات الناشئة منه، يجب أن يكون التعبير عنه قاطعاً في الدلالة على أن المقصود هو أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، فلا حاجة إلى حكم قضائي. وإذا تعهد المشتري في عقد البيع بدفع بقية الثمن في ميعاد محدد، وإذا لم يدفعه في ذلك الميعاد كان للبائع الحق في فسخ العقد، فإن مثل هذا الشرط لا يجرد القاضي من سلطته التقديرية وفق أحكام القانون المدنى.
3ـ الفسخ بإرادة منفردة: القاعدة العامة في الفسخ في القانون السوري، وكذلك في القانونين المصري والفرنسي، هو أنه قضائي، أي يخضع لرقابة قضائية مسبقة. والقاضي له سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ أو رفضه. فإذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، لا يحق للطرف الآخر أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة، وإنما عليه أن يطلب فسخ العقد. في حين أن قوانين أخرى لا تعرف الفسخ القضائي، وإنما القاعدة العامة في الفسخ فيها هو أنه يقع بإرادة منفردة، وهي إرادة الدائن، ولكن يجب عليه قبل ذلك أن يوجه إعذاراً إلى المدين يحدد له فيه مدة معقولة لتنفيذ التزامه، فإذا رفض المدين ذلك كان باستطاعة الدائن أن يتحلل من التزامه ويفسخ العقد بإرادته المنفردة، كما هو عليه الحال في القانون المدني الفرنسي.
وتعتمد اتفاقية ڤيينا لعام 1980 المتعلقة ببيع البضائع الدولي الفسخ بإرادة منفردة، إذ تسمح المادة (72ـ1) من الاتفاقية لأحد المتعاقدين بفسخ العقد بإرادته المنفردة إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته الجوهرية الناشئة عن العقد. وكذلك الحال إذا صرح أحد المتعاقدين صراحة بأنه لن ينفذ التزامه الناشئ عن العقد، فقد أجازت المادة (72ـ3) من الاتفاقية المذكورة للمتعاقد الآخر أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة.
وترد على القاعدة العامة للفسخ في القانون المدنى المصري والفرنسي، استثناءات عدة. وأول استثناء يرد عليها هو الشرط الفاسخ الصريح، وذلك لأن الرقابة القضائية المسبقة على الفسخ لا تعد من النظام العام. ويمكن أيضاً استبعاد الرقابة القضائية المسبقة للقاضي على الفسخ بموجب نص قانوني أو بموجب حكم القضاء.
الأستاذ الدكتور/ وليد محمد وهبه يكتب …..فسخ و انحلال الرابطة العقدية (العقد)