الأستاذ فارس حسني يكتب..أم سيتي دوروثي لويز أيدي البريطانية
أم سيتي دوروثي لويز أيدي البريطانية
أنا البريطانية دوروثى إيدى المشهورة بـ«أم سيتى»!. وُلدت فى لندن 1904، وغادرت هذا العالم 1981 عن 77 عامًا. وقعت على السلم وأنا طفلة فى الثالثة من عمرى، جاء الطبيب، أعلن وفاتى، ذهب لإحضار الأوراق، عاد، وجدنى على قيد الحياة!. تغيرت حياتى بعد هذا الحادث، أصبحت أصرخ وأقول: هذا ليس بيتى، أريد أن أعود إلى القصر والحديقة اللذين كنت أعيش فيهما، طاردتنى الأحلام كل مساء، أخذونى لأطباء نفسيين دون فائدة، وعند السابعة من عمرى أخذونى إلى المتحف البريطانى- القاعات المصرية- أخذت أرقص، أصرخ، خلعت الحذاء أمام معبد أبيدوس، قلت: هذا هو القصر الذى كنت أعيش فيه، ولكن أين الحديقة؟ (وجدها الأثريون بعد ذلك!!). كنت أُقبل أقدام التماثيل فى المتحف، وأقول: هؤلاء هم أهلى!.
زارنى فى الحلم كاهن مصرى اسمه: حور رع، وقال لى: تعيشين فى الغرب ولكنك وُلدت فى الشرق.. فى مصر، وكان اسمك المصرى: بندرشيد، كان والدك فقيرًا، فأتى بك إلى معبد أبيدوس، فلما بلغت الثانية عشرة، عرضنا عليك الاختيار ما بين أن تستمرى معنا كاهنة عذراء، أو تتركى المعبد، فاخترتِ البقاء، وقمنا بتعليمك، وكنتِ تقومين بالإشراف على المعبد، كما كنتِ تقومين بدور إيزيس فى مسرحية أودريس، التى تُقام فى المعبد كل سنة، ويحضرها الملك، وكبار رجال الدولة.
كنتِ بارعة الجمال، وفى السنة التى بلغتِ فيها الرابعة عشرة، وأقمتِ أودريس من الموت بدموعك وصلواتك، بدأت تظهر عليك أعراض الحمل، اكتشفنا ذلك، أردنا أن نعرف الجانى، فلم تعترفى، فكان التعذيب، حيث ألقيتِ بقنبلة فى وجوهنا: إنه الملك سيتى الأول. استمر الكاهن حور رع يخبرنى كيف اعترفت لهم بأن الملك اختلى بى فى حديقة المعبد، وكان المأزق.
لا يستطيعون إخبار الملك، وأيضًا لا يقبلون بقائى فى المعبد معهم، فما كان إلا الانتحار هو الحل. قابلنى مدرس للهيروغليفية فى المتحف البريطانى فكنت أستاذته، وكان يتعلم منى!. بلغت السابعة والعشرين، دبر القدر لقائى مع أستاذ للغة الإنجليزية فى لندن اسمه: إمام عبدالمجيد، من مصر، تزوجنا، عدنا إلى مصر، قبّلت أرض مصر، كانت بندرشيد، ومعناها قيثارة الفرح، هى التى تُقبل أرض الأجداد، وليست دوروثى إيدى البريطانية.
تم الزواج 1931، وكان الطلاق 1935 لأنى رفضت أن أترك مصر وأذهب معه إلى العراق، ولكنى أنجبت منه طفلًا سميته «سيتى»، ومن هنا كانت شهرتى: «أم سيتى». عملت كثيرًا مع الدكتور سليم حسن، وكنت أساعد أساتذة الآثار فى فك رموز الكتابة الهيروغليفية، كما كنت أُعيد الأحجار إلى أماكنها الأصلية فى معبد أبيدوس، وكنت أُحرِّم على الناس دخول المعبد بالحذاء أو وهم يدخنون، وفى مرة وفى ظلام دامس، سألونى عن لوحة لـ«سيتى»، فوصلت إليها دون عناء، كنت ألبس الملابس البيضاء مثل كهنة وكاهنات المعبد، كما كنت عضوًا فى: Egyptian Exploration Society، كما كنت أذهب كثيرًا إلى الهرم الأكبر أُقيم الصلوات، ولعلكم تعرفون أن أعضاء جمعية الصليب الوردى، روزى كروشن، وعددهم حوالى 15 مليونًا، يدينون بالعقيدة المصرية القديمة (الآمونية)، ويأتون كل عام لإقامة الاحتفالات عند الهرم.
ألّفت كتابًا اسمه: أم سيتى- أبيدوس. كنت أعالج الناس بالطب المصرى القديم، وبالرغم من شعبيتى الجارفة، رفض المسؤولون دفنى داخل معبد أبيدوس، كما رفض المسلمون دفنى بمقبرة فى مقابرهم، كما رفض المسيحيون كذلك، فدُفنت بمقبرة جوار دير هناك. تركت بريطانيا وجئت إلى موطنى الأصلى.. مصر٠
بقلم/فارس حسني
امين عام نقابة السياحيين مصر