الاستاذ الدكتور/وليد محمد وهبه يكتب..أثر القيد العكسي للأوراق التجارية على الحساب الجارى
بقلم الاستاذ الدكتور/وليد محمد وهبه
أستاذ القانون التجارى والبحرى
مفهوم القيد عكسي للأوراق التحارية:_
قـد يتلقـى البنـك أوراقـاً تجاريـة مـن عميلـه علـى سـبيل الخصم بعد تظهيرها إليه تظهيراً ناقلا للملكية، فيقيد قيمتها في الجانب الدائن لحساب العميل، ويكتسب ملكيتها. وإذا لم تدفع قيمة الأوراق في ميعاد الإستحقاق، كان للبنك الرجوع على الموقعين بما فيهم العميل. و إذا كان العميـل مـوسـرا فـإنـه يقـوم بـالـدفع، وهنا لا تثور أية صعوبة خاصة.
وإنمـا تثـور الصـعوبة إذا شـهر إفلاس العميـل بعـد تظهير الأوراق التجارية إلى البنـك إذ أن إفلاس العميـل يستتبع قفل الحسـاب الجـارى و تصفيته.
و حينئذ يقـوم البنـك بإستخراج الرصيد مع الإعتـداد بقيمـة الأوراق التجارية المقيـدة فـي الجانب الدائن لحساب العميل، و إذا كـان رصيد الحساب الجارى دائنـاً لصـالح العميل، وجب على البنك أن يقـدم هـذا الرصيد لأمين التفليسة.
بيد أن للبنك حقاً تجاه العميل بسبب عدم إستيفاء قيمة الأوراق التجارية المسلمة إليه للخصم، فعليه أن يتقدم به في التفليسـة كـدائـن عـادي يخضع لقسمة الغرماء فلا يحصل إلا على نصيب.
و لتلافي هذه النتيجة يستطيع البنك أن يجرى قيداً عكسياً بقيمة الأوراق التجارية في الجانب المـدين ل الحساب الجارى للعميل فيسترد بذلك ما دفعه كاملاً عند الخصم. وقـد أقـر القضاء صحة القيـد العكسى للأوراق التجارية التي تخصـم لـديـه ولا يتم تحصيلها .
بالرغم من أن الإفلاس يستتبع قفل الحساب بحيـث لا يجوز إجـراء أي قيد جديد فيه بعد ذلك. ولقـد أخـذ قـانون التجـارة الجديد بهـذا الحـل القضائي فقضت المادة 375 فقـرة أولى منـه بـأنـه ” إذا قيـدت حصيلة خصـم ورقة تجاريـة فـي الحسـاب الجـارى و لم تـدفع قيمتهـا فـي ميـعـاد الإستحقاق جاز لمن خصم الورقة، ولو بعد شهر إفلاس من قدمها للخصم، إلغاء القيد بإجراء قيد عكسي ” .
– تفسير القيد العكسي :
يـرى القضـاء أن الأوراق التجاريـة لا تقيـد فـي الحسـاب الجارى الا بشـرط التحصيل وهـو شـرط واقـف مـفـترض ضمناً بمقتضـى العـادات المصـرفية، فـإذا لم تحصـل قيمـة الاوراق فـى ميعـاد الإستحقاق تخلف الشرط الواقف و أعتبر القيد غير موجود.
و يعيب هذا الرأي أن الحق المعلق على شرط واقف لا يجوز قيده في الحساب الجاري إلا بعد تحقق الشرط. و لذلك ذهب البعض إلى إعتبـار شـرط التحصيل شرطاً فاسخاً، حتى إذا تحقق الشرط، و لم يتم تحصيل ذلك القيد بأثر رجعي و كان للبنك الحق في إجراء القيد العكسي حتى بعد صدور حكم الإفلاس.
و يفسـر الـبعض الأخـر حـق البنـك فـى إجـراء القيـد العكسى بأنه طريقـة للرجـوع الصـرفى، ذلـك لأنـه إذا لم يوجـد الحساب الجارى، لكان للبنك في حالة عدم إستيفاء قيمة الأوراق التجاريـة حق الرجـوع علـى عميلـه المظهـر أمـا إذا وجـد الحسـاب الجاري فـإن البنـك، بدلاً مـن الـرجـوع علـى عميلـه، يقيـد قيمـة الأوراق التجارية غير المدفوعة في الجانب المدين من حساب العميل
ولما كان هذا القيد يستتبع التجديد ، فإن الحق الناشيء عن الرجوع المصرفي يفقـد طبيعتـه الصـرفية و يصبح خاضعا للقواعد العامة للحساب الجـاري. و يعيـب هـذا التحليـل أنـه يعجـز عـن تفسير القيد العكسي بعد شهر الإفلاس.
ولذلك أستكمل بالإستناد إلى العادات المصرفية التي من أثرها إستمرار الحساب الجارى في السريان بعد فضله بإفلاس العميل لصالح البنك الذي يباشر الرجوع الصرفي.
و أياً ما كان التفسير فإن القيد العكسي للأوراق التجارية بعد شهر الإفلاس يجعـل للبنـك مـركـزاً ممتازاً إزاء دائني العميـل المفلس، إذ يهيىء له إقتضاء كامل حقه فوراً.
– مسألة القيد العكسي للأوراق غير المستحقة :
إدعـت البنـوك أن لهـا أيضـا الحـق فـى إجـراء القيـد العكس للأوراق التجارية التي لم يحـل ميعاد إستحقاقها بمجـرد شهر إفلاس العميل، وذلـك دون إنتظـار لمعرفـة مـا إذا كانـت الأوراق ستدفع قيمتها في ميعاد الإستحقاق أم لا.
و إستندت فـي هـذا الإدعاء إلى أن قيد هذه الأوراق في الحساب إنما يتم مضافاً إلى أجل لا معلقاً علـى شـرط ، و إفلاس العميـل يترتب عليـه سـقوط الأجل.
و ما دام ميعاد الإستحقاق لم يحل بعد فلا يمكن التنبؤ بعد متحقق هذا الشرط وقد حاولت البنوك تحقيق هدفها عن طريق وضع شرط في إتفاقاتهـا مـع عملائهـا سمـى بشـرط ” القيـد العكسـى الـعـام ”
وبمقتضاه يكون للبنك في حالة إفلاس عميلـه الحـق فـي إجراء القيد العكســـى فـي كـل الفــروض. و لكـن محكمـة الـنقض الفرنسية قضت ببطلان هـذا الشـرط في الحدود التي يكون فيهـا مخالفاً لمبدأ المساواة بين الدائنين فـي الإفلاس وهـو مبـدأ متعلـق بالنظام العام .
وقـد أقـر قـانون التجارة الجديـد هـذا القضـاء بـالنـص فـي المادة375 فقـرة 2 علـى أنـه ” لا يجـوز إجـراء القيـد العكسـى إلا فيما يتعلق بـالأوراق التجاريـة التـي لم تـدفع قيمتهـا فـي مواعيـد إستحقاقها، ويقع باطلاً كل إتفاق على غير ذلك “.
– مصير الأوراق التجارية بعد القيد العكسي :
و على ذلك فالقيد العكسي جائز بالنسبة للأوراق التجارية التي حل ميعاد إستحقاقها و لم تدفع قيمتهـا وقـت شهر الإفلاس غير جائز بالنسبة للأوراق التي لم يحـل ميـعـاد إستحقاقها في هذا الوقت. و لكن ما مصير الأوراق التجارية التي أجرى بالنسبة لها قيد عكسى ؟.
إستقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على أن للبنـك بعـد إجـراء القيـد العكسـى أن يحتفظ بـالأوراق التجاريـة للـرجـوع بمقتضـاهـا علـى المـوقعين، وأن لـه بالتـالي الحـق فـي أن يستنزل من الرصيد الذي يتقدم به في التفليسة المبالغ التي حصلها من الموقعين،
وكـل مـا يلتـزم بـه هـو محاسبة أمين التفليسة إذا كان مجموعة ما حصـلـه مـن المـوقعين و مـن التفليسـة يذيـد علـى مـقـدار حقـه أصـلاً وملحقاته، و حينئذ يجب أن يؤول ما زاد إلى التفليسة .
وقد إنتقد هذا القضاء بأنه إذا كان القيـد العكسي هـو طريقة لمباشرة الرجوع الصرفي، لوجب منطقاً أن يلتزم البنـك بـأن يرد الأوراق التجارية إلى أمـين التفليسـة حـتـى لا يباشـر الـرجـوع الصـرفـي مـرتين، ولـو قـيـل بـأن البنـك قـد أصبح مالكا للاوراق بمقتضى التظهير،
فيجاب علـى ذلـك بـأن القيـد العكسـي يقـوم بدور الشرط الفاسـخ الملكية الأوراق فيجب أن تعـود هـذه الملكيـة لنفس الدافع .
والواقع أن لقضاء محكمة النقض الفرنسية سندا قانونياً في نص المادة 612 تجاری مصری (م 542 تجاری فرنسي) التي تقول ” إذا أفلس جميع الملتزمين بدين واحد دفعة واحدة، جاز للدائن أن يشترك في كل تفليسة بكل دينه إلى أن يستوفيه بتمامـه مـن أصـل و عوائد و مصاريف “.
و ليس من الضروري لتطبيـق هـذا الحكـم المقرر لمصلحة حامل الورقة التجارية أن يكون جميع الموقعين في حالة إفلاس.