تناولنا فى المقال السابق أن الولاية الجديدة للرئيس السيسى تتزامن مع التوجهات العالمية الجديدة،وأن الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصين ،ستؤدى إلى وأد مبادرة الممر الإقتصادى لاسيما بعد أفول نجم إسرائيل المتوقع نهايته هذا العام على يد المقاومة الفلسطينية،وقد تناولنا رؤية مصر للتعامل مع الواقع الجديد والتى عرضها الرئيس السيسي والتى كان أخرها ضرورة الإستمرار فى سياسات الإتزان الإستراتيجى،التى تنتهجها الدولة المصرية، تجاه القضايا الدولية والإقليمية،ففى ظل ما تعانية المنطقة العربية من صراعات،كانت آخرها تصاعد حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهو ما أدى إلى زيادة تعقيدات الحسابات وسيولة الإنتقال من التعاون إلى الصراع،وهو ما يضعنا أمام شبكة من التفاعلات التي تزيد من تكلفة المحافظة على المصالح الإستراتيجية المصرية،في ظل تصورات لبعض القوى الدولية والإقليمية لوجود فراغ إستراتيجى في المنطقة تسعى لملئه من خلال التنافس، وعدم مراعاة مصالح الآخرين. وهو ما يخلف شعوراً بالضبابية وإرتفاع مستوى المخاطر، وحالة عدم اليقين التى تسيطر على مجمل الأوضاع الإقتصادية العالمية الآن .ومع الإيمان بأن السياسة الخارجية المصرية تستند إلى عدد من المرتكزات، منها،دعم السلام والإستقرار في المحيطين الإقليمي والدولي، ودعم مبدأ الإحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق الدولية، إضافة إلى الإلتزام بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. ولكن هذا يصطدم بزيادة وإقتراب حدة الصراعات السياسية والحدودية التى تتميز بها المنطقة العربية الآن ،وهذا يدعونا إلى التأكيد بأن القوة الإقتصادية للدولة هى العنصر الحاكم فى إستمرارية بقاؤها فى محيطها،وأن الخسائر الإقتصادية المستمرة قد تعجل بإنطفاؤها، وهو ما قد نلاحظه الآن من تزايد حجم الخسائر الإقتصادية للعنصر الحاكم فى بؤرة التوتر في المنطقة العربية والشرق الأوسط وهى إسرائيل،فمنذ أحداث 7 أكتوبر الماضى تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة وهي خسائر تحمل بين طياتها أن الفاتورة مفتوحة على خسائر أفدح لأكبر حرب تدخلها اسرائيل منذ إنشائها ،فقد بلغت الخسائر المباشرة 56 مليار دولار،وعند إضافة الخسائر غير المباشرة تبلغ الخسائر أكثر من 115 مليار دولار، مما أدى إلى إنكماش في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الاخير بحوالي 20%، مع زيادة عجز الموازنه الى 6%، وزيادة حجم الدين العام لأكثر من 65% من الناتج المحلي الإجمالي ،وإنخفاض دخل المواطنين في اسرائيل لاكثر من 20% ،وهو أمر أدى إلى زيادة حدة المخاوف بعد نزوح أكثر من 120 ألف نازح ،ولكن الأخطر وهو ما نعول عليه فى رسم مستقبل المنطقة، ما أشارت إليه وكالة موديز للتصنيف الإئتماني بعد تخفيض التصنيف الإئتماني لإسرائيل ،مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو الخفض الأول من نوعه منذ نشأة إسرائيل، فإستدعاء أكثر من 300 ألف جندي من جنود الإحتياط أدى إلى تعطل الإنتاج ،وركود حركة التجارة مما صب في إنخفاض حجم الصادرات الإسرائيلية بحوالي 20% وتراجع في الإستثمار في الأصول الثابتة بأكثر من 67% ،ويبقى الأخطر وهو تراجع في عدد الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا الفائقة التي تتميز بها اسرائيل باكثر من 75% وهي إشارة، ودلالة على أن الفاتورة مفتوحة بأكثر مما نتوقع، بعد إحتمال كبير لدخول أطراف أكبر فى دائرة الصراع ،وأن هذا العام قد يحمل الكثير من المفاجآت التي يجب إغتنامها،وهو أمر ليس ببعيد على الدولة المصرية التي تسعى إلى تطبيق سياسات الإتزان الإستراتيجي تجاه القضايا الدولية والإقليمية ،وفقاً لمحددات وطنية واضحة تصب في صالح الوطن والمواطن.وللحديث بقية