في منتصف القرن الثالث الهجري ولد الحلاج الحسين ابن منصور وسمي بالحلاج نظرا لصنعة والده وتلقى خرقة الصوفية”هكذا يرمز لكل من اخذ العهد” من المتصوف عمرو المكي والخرقة هي رمز ترك الدنيا والفناء في الجماعة الصوفية وتزوج الحلاج “مصرية” وهو من مواليد بغداد وغادرها الى مكة ومكث فيها زمنا ثم الى الهند وعاد مرة اخرى لعاصمة الخلافة بغداد وتواصل مع كل اقطاب صوفية عصره وكان يسميهم اصحابي وخلاني..جمع حوله ثلة من الفقراء..فقد وصف نفسه بانه مولود لأن فقيرا..بذات مساء.. سعى نحو حضن فقيرة واطفأ فيها مرارة ايامه القاسية..نموت كالاف مما يولدون ويكبرون يقتاتون خبز الشموس ويسقون ماء المطر..وتلقاهم في الطرقات الحزينة فتعجب كيف نموا واستطالوا وشبت خطاهم في هذه الحياة الضنينة..تسكعت في طرقات الحياة ودخلت سراديبها الموحشة واشعلت عيني دليلي انيس في الطرقات وذوبت عقلي زيت المصابيح..شمس النهار على صفحات الكتب..لهثت وراء العلوم سنينا.. فلم يسعد العلم قلبي بل زادها حيرة راجفة واحسست اني ضئيل كحبة رمل او كقطرة ظل ومنكسر خائف تعس..عرفت تضاريس الوجود… مدائنه وقراه … وديانه وذراه …وتاريخ املاكه الاقدمين واثار المحدثين..فكيف بعرفان سر الوجود ومقصدي مبتدى امره..منتهاه….وقد ذاب الحلاج حبا في الذات الالهية فكتب..والله ماطلعت شمس ولاغربت….الا وحبك مقرون بانفاسي
ولا جلست الى قوم احدثهم…الا وانت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزونا ولافرحا.. الا وانت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش الا رايت خيالا منك في الكاس
عاش الحلاج حياته بين سجن ومحاكمات…وكانت محاكمته الاخيرة امام القاضي المالكي المذهب ابن عمر الحمادي والحنفي ابن سليمان الحمادي والشافعي ابن سريج..هكذا كانت تعقد المحاكم في زمن العباسيين..وقد كتب الحلاج كتابه الممتع” الطواسين” شعرا ونثرا وفي رأي احد المستشرقين”ماسينيون” يرى ان الحلاج مصلح اجتماعي ومجاهد روحي ينتمي الى الحنابلة ويرى ان الشيعة الذين كان منهم معظم الوزراء وكبار الحكام..عدا الخليفة..هم من ارادوا سفك دمه…وان كان حديث الحلاج استمال نفرا من حاشية السلطان وامراء الامصار..ويدلل الجويري في كتابه كشف المحجوب انه رأى طائفة بعد مائة عام من موت الحلاج تسمى الحلاجية..وايضا ابو العلاء المعري في رسالة الغفران يقترب من هذا الحديث علما بأن المعري توفى بعد صلب الحلاج بمائة واربعين عاما..ويرى اخرون انه كان شيعي الهوى في اول امره داعيا من دعاة الفاطميين… ولاشك ان محاكمة الحلاج الاخيرة والتي استجوب فيها صديقه الشبلي وهو من كبار الصوفية وبرغم عفو الخليفة عنه في خطاب موجه الى المحكمة الا ان القاضي الحمادي وهو احد قضاة المالكية المعروفون بتقربهم الى الخلفاء..قال ان هذا حق الخليفة اما حق الله فهذا امرنا نحن القضاة نقول كلمتنا فيه فاعترض ابن سريج متعللا بان هذا تفتيش في الضمائر واصر الحمادي فانسحب الاول من المحاكمة فاستحضر الحمادي قائد الشرطة لاخذ شهادته والشبلي ورهط من الفقراء الذين نادوا باعلى صوتهم انه كافر..كافر..فقال الحمادي اذن بما تجزونه فقالوا القتل..فرد القاضي..دمه في رقبتكم..فوافقوا باعلى صوت…فاهدر دم الحلاج صلبا على نهر دجلة واحرقوه وذروا رماده في النهر..ويأتي ابن تيمية من بعد ليقر بكفر الحلاج…ولكن ابو الحسن الشاذلي وهو احد اقطاب الصوفية فهم مقاصده فلم يكفره ولكنه اقر بشططه وان كثير من شطحاته ومعجزاته مبالغ فيها…خاصة وانه وقد اصبح بعد موته وليا وقديسا ومهديا منتظرا عند بعض المسلمين والحقيقة انه نهجا تصوفيا كما اورد في شعره ونثره في كتابه ” الطواسين”..وكم من روح ازهقت بين التكفير والتفجير اليس من العقل ان نترك ما لله لله…