في أول لقاء بيننا كان تعارف عام في المجلس القومي لحقوق الإنسان… كثير من الأعضاء يعرف الاخر وتقريبا لا يعرفني احد وقدمت نفسي وكانت الجلسة الأولى في ٢٠١٣ بعد ثورة يونيو.
وفي الجلسة الثانية كانت لي كلمة عن سيناء والوضع الراهن وبعد انتهاء الجلسة قال لي الراحل الكبير انت طريقك من فين فرديت عليه إلى أي مكان تريده فركب إلى جواري وسألني انت فعلا من فلول الحزب الوطني قلت له نعم انا كذلك ولكن اي حزب او جماعة منهم الصقور ومنهم الحمائم ولا ادعي اني كنت من الجناح الثاني ولكني لم اكن من الصقور وقد خضت انتخابات مجلس الشعب ضد امين الحزب الوطني في عام ٢٠٠٠ والأهم انني انتخبت نقيبا للأطباء باكتساح ضد مرشح الاخوان في شمال سيناء الساخنة في اكتوبر٢٠١١.
وتطرق الحديث إلى أيام الاحتلال الاسرائيلي ودورنا الوطني الذي لم ولن نتاجر به …فتغيرت دفة الحديث وقال لي أنا حبيت اسمع منك لأن من أخبرني عنك وهو بلدياتكو وبالطبع كنت اعرفه واعرف توجهاته وهو او من هاجم اختياري في المجلس لانه كان يرى نفسه في نفس المكان… صور لي انك كنت من اباطرة الحزب الوطني…فقلت له الايام بيننا….واستمرت علاقتي بالايقونة التاريخية المناضل الجسور جورج اسحق إلى أن توفاه الله.
فقد كان دائم السؤال عني وعلي ويحب أن ارافقه في كل زيارات المجلس إلى السجون او حتى المستشفيات او دور الرعاية…ولأني كنت احتفظ بعلاقات متوازنه مع الجميع ومع كل أجهزة الدولة كان يطلب مني احيانا التدخل من أجل مظلمة لاحد او توصية على اخر والغريب انه كان يوصيني أن أتدخل للافراج عن بعض المسجونين وهم من العريش وهي موطني فقد كان ذويهم يتصلون به ويعرفهم ويعرفونه وكان يناديني دائما فينك يا ابو الدكاترة وارد عليه وحشتنا ياعمنا.. فعلا وحشتنا ياعمنا فقد كان عم الكل يحترم الجميع ولايختلف مع احد مهما كانت وجهة نظره فقد يحتد النقاش ولكنه ابدا لا يحوله إلى اختلاف ودائما ينهي الحديث بضحكته المعهودة.
يقتحم كل القضايا ويصادق الصغير قبل الكبير…لم يكن ينتمي لأي حزب فهو في حد ذاته كان حزبا…ففي الكاتدرائية حيث اجتمعنا لنودعه ترى رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء والوزراء السابقين والتيار الاشتراكي والليبرالي والوسط بل من كانوا في الاخوان وتركوهم والشباب والشيوخ وكل أطياف السياسة ..نعم هذا هو حزب جورج إسحاق فلم يكن فقط مؤسسا لحركة كفاية ولكن كان حالة وطنية قبطية مصرية وروح مرحة وتبتسم في عز المحن وتضحك بسخرية عندما تشتد وطأة الكرب…رافقته في استقبال المسيحيين الذين تركوا العريش إلى الإسماعيلية تحت وطأة الإرهاب وعندما رأهم يحتضنوني بشدة كبارا وصغارا يبثون حزنهم الي بالدموع.
قال لي ايه الحب دة يا أبو الدكاترة ده انت طلعت حدوتة…قلت له وانا اجي ايه فيك ياعمنا دة انت أسطورة مصرية. .هكذا عشنا طوال العشر سنوات الأخيرة من عمره حتى عندما لم يرد اسمي في التشكيل الجديد للمجلس واستمرت عضويته لم ننقطع دائما احب ان اكلمه لاسمع نغمة تليفونه المميزة”يادنيا ياغرامي يادمعي يا ابتسامي مهما كانت الامي قلبي يحبك يادنيا،” لمحمد عبد الوهاب وكنت اطمئن عليه عندما داهمه مرضه الاخير ومشاكل الكبد وبرغم أن الدواء كان له أثر على صوته حتى البحة…ولكنه كان يرد علي إلى أن تعافى وعلم اني سوف اسافر لاجري جراحة كبيرة في ألمانيا فطلب أن يراني في مكانه المعهود في شرفة فندق سمير اميس وحضر معنا صديقه الصدوق الاستاذ سمير عليش وودعني وكان يطمئن علي من أن لآخر إلى أن التقينا في افتتاح الحوار الوطني وكان اللقاء الاخير..
ذهبت حيث سوف يرقد كل حي مهما طالت سلامته…لكن الايام والسيرة تعيش أطول من اصحابها والسيرة والمسيرة سواء في مشوار التعليم كرائد من رواده او في السياسة فيشهد لك من احبوك او اختلفوا معك انك وطني مصري حتى النخاع وانك ستعيش ليس في قلب السيدة فاتن مرقص حرمكم المصون وابناءك بل في قلوب كل الوطنيين