كم تمنيت أن تكوني على قيد الحياة وانا اجتاز هذا المخاض الصعب والمرحلة الحرجة من دخول العمليات والخروج والدخول مرة أخرى وثالثة ورابعة في غضون ثلاثة أسابيع…ترى لو كنت على قيد الحياة لكتب القدر شأن اخر؟ نعم تعلمنا أن الدعاء المقبول قد يغير الاقدار…سلاما على روحك الطاهرة البسيطة العامرة بحب الله ورسوله…عيني..يا عيني عيني عليكي..كل القلوب بتدوب بتدوب حواليكي ياعيني…الا انا وحدي انا..بشوفك بس بعيون غير عيون الناس…نعم فأنت كنت لي الاب بعد رحيله في وانا لم أبلغ العامين.. وكنت الام التي لاتنام الا بعد أن تطعم صغارها من خير ماتجود به الديار …كم كنت اتمنى ان تكوني الان بيننا فامرغ رأسي عند قدميك اطلب رضاكي..فقد قصرت فيك تارة بعدا وتارة انشغالا…اه لو تدري كم يقتلني الحنين إلى كلماتك واهازيجك التي كنت تطلقينها في ساعة العصاري بعد أن تكوني قد فرغت من واجباتك المنزلية والتي تبدأ بعد صلاة الفجر..فتجلسين إلى الطاحونة في قاع الدار تشغلين بها وقتك في صنع انواع جديدة من كسر الحبوب لتضاف إلى انواع من الطعام لتضفي تنوعا..يقولون عنه أن “تصنع من الفسيخ شربات” ..والعظيم يوسف إدريس يسميه فكر الفقر…الذي يحاول أن يغير الواقع…اتذكر جيدا ذلك الفجر الذي بزغ يوما وانا في الثانوية العامة اجلس على مكتبي في المندرة وجئت تسأليني..عايز حاجة يامة..قلت كل سنة وانت طيبة يا حاجة اليوم عيد الام تحبي اجيبلك ايه…وهي تعرف انني..لا أملك شيئا…قالت أن عايزة تجبر خاطري وتبقى دكتور….وهنا توقف شهر زاد عن الكلام المباح ..ونحن في أول ساعات الصباح..وقلت قي تمتمة.. أن شاء الله بفضل دعواتك…ولم يكن في البيت الكبير غيرنا …فالكل هجره أما طوعا او كرها..فالبعض تركه في أيام الحرب إلى الضفة الغربية لقناة السويس بحكم انتمائهم للقوات المسلحة ومن تبقى سافر مع أفواج الصليب الأحمر الدولي لاستكمال الدراسة الجامعية في القاهرة والاسكندرية.. وانا على الطريق..وغدا تجلس الحاجة وهيبة”ياسمين”وهذا هو اسمها الاصلي لمن لم يقرأ مقالاتي السابقة والذي تغير بحكم الجغرافيا وثقافة العقول فهي مولودة وتربت في الإسماعيلية ولكن أصول اهلها سيناوية وعندما عادت عروس مع والدي كزوجة ثانية لم يحلو لمن يقطنون الديار هذا الاسم فاطلقوا عليها اسم جدتها…والغريب انه التصق بها لدرجة ان كل أولادها قد حملوا هذا الاسم في شهادة الميلاد ..الا واحدة..استطعنا بها أن نصحح اسمائنا ..فلايوجد هذا الاسم في السجلات الرسمية..حتى بطاقتها فهي ياسمين…ولم يبقى في بيتنا أثرا لهذا الاسم الا شجرة الياسمين التي كانت تزرعها خلف باب البيت الخارجي فقد كان لبيتنا بابين تفصلهما طرقة كبيرة كنا نلعب فيها الكرة وقت حظر التجول الطويل الذي كانت تفرضه علينا قوات الاحتلال عقب حرب يونيو ١٩٦٧…اهديكي في عيدك أجمل باقة ورد محفوفة بالدعاء أن تكوني في جنة الفردوس جزاء ماسهرت وتعبتي وتحملتي..مالايتحمله بشر..وهل يتحمل أحدا في زماننا هذا أن تصحوا فجرا ونحن نيام في عريشة على شاطئ البحر تحت النخيل في أيام جمع البلح …وتذهب راجلة إلى البيت في وسط العريش لتخبز العيش وتعود به تحمل المشتة على رأسها من وسط البلد إلى الريسة قرابة الخمسة كيلو متر ذهابا ومثلهم ايابا على الاقدام…كم كانت على اميتها ذات نظر بعيد فعندما تقول ان قلبي” متوغوغش” من أمر ما أحدنا يطرحه عليها وتحذرنا منه وقد لانلقي الى كلامها بالا فيقع المحظور…ولكن بقلب الام تقف لتداوي الأثر ولاتقول ماقاله بنو إسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام…أذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون.. هي الام التي تعطي بلا مقابل ولاتنتظر …هي التي تدعو عليك احيانا حين تغضب منك ولكنها تكره من يقول “امين” فهي تفعل ذلك من وراء قلبها.. هي التي لامانع أن تعطيك جزءا من جسدها بلاتردد ولاتبالي أن كانت ستعيش ام لا او مايصيبها من مضاعفات او مكروه …فقط تفكر في العطاء…هي التي كانت تزورني حتى بعد أن أصبحت طبيبا وزوجا ولكني مازالت في الخدمة العسكرية..محملة بما لذ وطاب ولا تعود الا وقد دست في جيبي ما ادخرته من معاشها او من ايراد أرض ورثتها عن ابيها…فأنا لا أكبر في نظرها مهما وصلت ..دائما تضع بصماتها..كم تمنيت أن يمهلك العمر أن ارد لك شيئا مما قدمت وانحني لاقبل قدميك التي تقف على مشارف الجنات ومن منا يستطيع ان يفي امه حقها…والعبرة في حديث ذلك الرجل الذي كان يحمل امه ويطوف بها حول الكعبة ويسأل الفاروق عمر..هل اكون قد وفيتها حقها وقد حملتها سنينا..وهي حملتني في بطنها تسعة أشهر.. فكان رده قاطعا..بأن ماتقدمه لايساوي.. طلقة واحدة في مخاض ولادتك…. اليك ارسل احر أشواقي ومزيد من القبلات على جبينك الطاهر ..اليك ارسل دموعي التي تزرف كلما ذكرتك…اليك ارسل ماتبقى من عمري حنينا لدعوة من لسانك او لمسة من يديكي تطيب بها جراحي ويزيل الله بها بأسا اراده ربما ليطهرني
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق