الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي يكتب..الربيع يأتي في تشرين
كان يوم عاديا في بدايات فصل الخريف، الجو معتدل ودرجات الحرارة مقبولة والطبيعة ما زالت تحتفظ برونقها، الحياة في المدن السورية تسير بشكل اعتيادي كأي يوم جمعة يقضي معظم الناس يومهم في المتنزهات أو الزيارات العائلية بصفة صلة للرحم، أما هناك في الجزء المحتل من الأراضي السورية التي تحتله دولة العدوان إسرائيل، كانت أجهزة رصدها العسكرية تراقب تحركات الجيش العربي السوري من كثب على مدى اربع وعشرون ساعة متواصلة لإعتقادها أن هناك في الأجواء ما يثير قلقها، على الرغْم من ذلك لم تسجل عيونها وأجهزة رصدها أي تحركات للقوات العربية السورية هذا ما أكدته تقاريرها التي كانت ترفعها إلى قياداتها وكانت الرسائل المتبادلة تنفي فيها حصول أية تطورات أو تحركات مريبة على الجبهة الشمالية وان القوات السورية هادئة تمارس نشاطها اليومي المعتاد بشكل روتيني في ظل الهدنة المعلنة بين الجانبين، إلا أن عيونهم عميت فالجيش العربي السوري في الحقيقة كان في نشاط غير معتاد من تحركات واستعدادات وتدريبات ميدانية غير مسبوقة وفي حالة استنفار فريدة من نوعها والجنود الباسلون يعملون ويتدربون بهمة ونشاط مفرطين وعيونهم تنظر إلى تلك البقعة الغالية من الوطن السوري المحتلة في منطقة الجولان وما بعده من أرَضون عزيزة على قلوب العرب جميعا وينتظرون الأوامر بالتحرك لتنفيذ المهمة التي يتشرف بأدائها أي مواطن عربي شهم كي يعيدوا للامة العربية أمجادها وكرامته ، والاستحواذ على أنظار واحترام العالم اجمع، ومما لا يعرفه العدو الإسرائيلي أن الجيش العربي السوري يمارس نشاطه بكل هدوء وتؤدة فهذه قطعاته الحربية يخيل اليهم أنها تمارس نشاطاتها المعتادة ولم يعد العرب يفكرون القيام بأي مجازفة ضد كيانهم الغاصب، وفي الساعة الحاسمة كان الباسلون المظليون يصعدون إلى حواماتهم بكامل عتادهم الحربي بهدوء كأنهم يؤدون تدريبًا تكتيكيا اعتياديا وكانت بقية القطعات العسكرية المشاركة قد أخذت مواقعها واحتياطاتها لتبدأ مهمتها فور تلقي الأوامر، أما الباسلون المظليين ما أن استقروا في حواماتهم وبدأت الحوامات بالإقلاعي ونسور الجو تحوم في السماء أطل عليهم رئيس الجمهورية العربية السورية القائد العام للجيش والقوات المسلحة بصوته الجَهْوَري عبر أجهزة الصوت مخاطبًا إياهم يا حفدة خالد بن الوليد وصلاح الدين أيها الأبطال الباسلون اليوم يومكم لقد أعددتم لهذا اليوم الأغر فمارستم أشد أنواع التدريب وتزودتم بأفضل أنواع السلاح وتسلحتم بالعقيدة والإيمان وقد أعددتم العدة لمثل هذا اليوم أنتم الآن فوق قمة جبل الشيخ والأمة اليوم تنظر إليكم شامخة ترقبكم بعيونها وقد وضعت كل أمالها بكم ولهذا اليوم ادخرتكم فاليوم هو يوم التحرير يوم معركة العزة والكرامة وهذه ساعة الصفر قد ازفت وأعلنت ساعة تحرير الأراض العربية من الاحتلال الصهيوني الغاصب فإما النصر وإما الشهادة ولنكبر معا الله أكبر الله أكبر، وما نطق بها حتى علت التكبيرات والتهليلات وانهمرت الدموع من العيون فرحا ورقصت القلوب طربا وتجمهر الأبطال يتدافعون نحو باب الطائرة يسابقون بعضهم من يكون له شرف الهبوط أولا على القمة الأشم ومع هبوط أول بطل توالت الانتصارات والانتقال من نصر إلى نصر على أيد نسور الجو الباسلون ورجال المدفعية وكافة جنود الجيش العربي، وعلى الجبهة الجنوبية كان ابطال جمهورية مصر العربية أيضا قد اعدوا العدة بالتنسيق بين قيادتها وقيادة الجمهورية العربية السورية وما أن أعلنت ساعة الصفر كان الباسلون المصريون أيضا يجتازون قناة السويس ويبدؤون بتحرير سيناء من رجس العدو، في الوقت الذي كانت أجهزة الإذاعة ووسائل الإعلام تعلن للجماهير العربية بَدْء ساعة التحرير معركة الكرامة والشرف وتزف بشائر النصر، يستفيق العدو من ذهوله على هزيمته الشنعاء كما استفاق العالم ليجد شُوس الجيش العربي السوري والمصري قد قلبوا كل موازين القِوَى وأنهوا أسطورة الجيش الذي لا يقهر، تحية إجلال وكبار وانحناء أمام عظمة الجيشين العربيين السوري والمصري اللذان أثبتا بالقول والعمل أنهما جيشا العزة والكرامة وجيشا المهام الصعبة وأنهما جديرين أن يكونا جيش الأمة العربية وليس سورية ومصر فحسب ، فهما اللذان أعادا للوجه العربي اشراقته فلولاهما ما كانت لتقوم للعرب قائمة، وجيشنا العربي السوري الجيش الذي تربى على العزة والرفعة والكبرياء هو الجيش الذي رفع شعار النصر أو الشهادة، كان يتابع تقدمه وفق الخطط المرسومة بكامل أهدافها، أما في الداخل كانت الحياة في كافة أنحاء الجمهورية العربية السورية تسير بشكل اعتيادي كما الأيام السابقة وكأن شيء لم يكن، الأسواق تعج بالناس والباعة والمواد التموينية متوفرة وبكثرة على النقيض مما كان يحدث في كافة دول العالم في أثناء الحروب والأزمات من احتكارات خَشْيَة الضائقة الاقتصادية والتموينية، نعم حققنا النصر وكيف لا فقد كانت هذه الحرب تخطيطًا وقرارًا وتنفيذًا عربيًا محضا حتى قرار إنهاء الحرب كان قرارًا مستقلًا لم نسمح لاحد أن يفرضه علينا، وكما انتصر الجيش العربي السوري في حرب تشرين التحرير ومن ثم بدأ رحلة الإعمار سينتصر على الإرهاب ويعيد البشائر كما في تشرين، ليكون الربيع ربيعًا حقيقيًا في بلادنا فالربيع في بلادنا ليس فقط في آذار بل أيضا في تشرين.
الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي