الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي يكتب.. دمشق الشام
تأملتني وهي تحصي أخاديد السنين
كم خطت تجاعيد على وجهي والجبين
سألتني كم استهلكت من السنين
ورمتني بنظرة تسبر أغوار ذاكرتي
كأنها تبحث في أعماق ذاتي
عن عالم تشكل من عصر التكوين
عن أسفار اختصرت تاريخا
في صفحات صفراء بالية
وعن بقايا وريقات سقطت
في أسواق الوراقين
تلألأ التاريخ في عيني دهرا
ونطقت بلسان المجد مستفسرا مستنكرا
هل للتاريخ عمر يا سيدتي
وأليس له ذاكرة في بقايا السنين
أنا يا سيدتي ذاكرة التاريخ وأبجدية الحضارة
سطرت على صفحات المجد عبر السنين
قالت كمن يحصي بقايا المعمرين
كم عاصرت من السنين
ألك تاريخ ولادة وشهادة ميلاد كالآخرين
قلت وهل للأبجدية يا سيدتي
تاريخ ولادة وشهادة تثبت ميلادها
إنها صيرورة تاريخ وحضارة
دونتها أسفار مجد الإنسان
من غابر الزمان
فإذا أنبئني متى كان اقتحامك دنيانا
ومن أي الأزمان أتيت
أنا يا سيدتي أتيت
من زمن كان الحب أبجدية الإنسان
يعانق بأهدابها السماء
يرسلها زغاريد سلام
كان التاريخ لا يدون إلا ضحكات الأطفال
وترانيم صلوات العشاق
وقتها لم يكن يعرف الشعارات
ولم تفرقه الأحقاد والمعتقدات
ولا قوي استبد ولا إرهاب
ألست من هذا الكوكب
سألت وقد قطبت الحاجبين والجبين
أكنت مع الملائكة تعيش
أو ربما هبطت من عالم سحيق الأبعاد
بلى من هنا أنا يا سيدتي ولي بصماتي
تنير وجه التاريخ
وجدت هنا يا سيدتي من زمن تشكل المجرات
كانت النجوم تتسابق لتنير درب الملائكة
تنثر عبق أريج ضحكات العاشقين
وكان القمر يعانق الشمس وقت الغروب
فإذا أنت الآن مشرد لا وطن لك
إليه تنتمي
وجذورك من أصوله
عبر الأقطار أنت سائح
تعبر حدود الأمصار كالريح بلا وطن
بلى يا سيدتي لي وطن
ليس ككل الأوطان
خصه الله بنعمة دون البلدان
أودعه سر محبة الإنسان للإنسان
هو ظل الله على الأرض
فردوس من فراديس السماء
جنة النعيم هو
درة الكواكب والأوطان
فإذا أين وطنك وما اسمه
وطني درة السماء وجوهرة المجرات
يشع النور من ذكره ويضيء الظلام
وطني وطن الياسمين
المتعانق مع المآذن والقباب وأديرة الرهبان
وطني وردة حمراء في قلوب العاشقين
تروى من دماء الشرايين
وطني يا سيدتي ربيع دائم
يتفتح على مدى الأيام والسنين
وطني يا سيدتي سيد الأوطان
وملاذ الآمنين
وطن الأحرار والمجاهدين
قدس الأقداس وطني
يكلل بالغار من سجد عليه كل جبين
وطني عاصمته يا سيدتي دمشق الشام
سيد الأوطان على مر السنين