الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي يكتب..تساؤل لا بد منه
ماذا لو اتجهنا إلى كافة المراجع الدينية من كل الشرائع الدينية السماوية بكل مذاهبها لا على التعيين دون أن نميز او نفرق بين شريعة وأخرى وسألناهم ما هو موقع الصلاة في هذه الشرائع لقالت لنا هذه المراجع جميعها بأن الصلاة هي عماد الدين، لأنها صلة العبد بربه وهي الطريقة التي يتواصل بها الإنسان معه، وتظهر مدى التزامه الإيماني، ولكن لو عدنا وسألناهم هل كل من التزم بالصلاة كوسيلة للتقرب إلى الله هي التي ستجعله مقربا أو قريبا من الله وهل هذا كافيا مع الفرض بانه يؤدي واجباته الدينية الأخرى على الوجه الأكمل أو قدر استطاعته، لكان جوابهم من المفروض ومن البديهي أن يكون الإنسان المؤمن المتعبد على خلق وسيرة حميدة حسنة، فما نفع الإيمان إن كان العبد سيء الأخلاق شرير النفس ولا يسلم الأخرين من أذاه إن كان بيده أو لسانه.
فهذا من حيث المبدأ أن جميع الأديان تحث على مكارم الأخلاق فكما الصلاة هي عماد الدين فالأخلاق هي الأصل في الدين بعد الإيمان بالله، فجميع الرسالات السماوية والأنبياء والرسل حثوا الناس على التمثل بالأخلاق الحميدة والسلوك القويم بل وأمروا على اتباع المنهج الأخلاقي في الدين وأن يظهروا مدى إيمانهم بسلوكهم الأخلاقي الحسن، والأمثلة كثيرة في هذا المضمون منها عندما نزلت الرسالة الإسلامية على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كانت دعوته إلى الدين تترافق مع دعوته إلى مكارم الأخلاق وقد ورد في حديثه الشريف الذي يعتبر منهجا يجب أن يعمل به (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهذا يعني أن الدين لايكتمل إلا باكتمال الأخلاق الحسنة وفي حديث آخر ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وانه لضعيف العبادة وانه ليبلغ بسوء خلقه درك من جهنم وهو عابد) هذا غيض من فيض وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ونستدل بأن الدين والأخلاق خطان متلازمان لا يفترقان، وهي الأصل في الدين كما هي الصلاة عماد الدين فلا نفع لعبد تترافق عبادته بسوء خلق، ومن قبل الرسول محمد عليه الصلاة السلام جاء السيد المسيح يدعو أيضا إلى مكارم الأخلاق جنبا إلى جنب في الدعوة إلى رسالته السماوية الإيمانية وما جاء به من الوصايا العشرة إن هي إلا مكارم الأخلاق، ومن جملة ما وصى به اتباعه أيضا عندما أعطاهم درسا في الأخلاق فقال لهم (وصية جديدة أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا ) وأيضا عندما قال ناصحا لهم (أنا هو الطريق والحق والحياة).
كل ذلك أمثلة على التمسك بالأخلاق النبيلة والحفاظ عليها جيلا إثر جيل لأنها هي الصفة التي تميز الإنسان عن معشر الحيوان وحكم الغابة، فهل نحن حافظنا على الأخلاق ومكارمها كما سبق أن وصفنا الله سبحانه وتعال عندما قال يخاطبنا في محكم التنزيل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فهل نحن جميعا نتمثل الأخلاق الكريمة أم أصبحت هذه الآية الكريمة تنطبق علينا حيث أن أسلافنا هم الذين كانوا خير الأمم ونحن أصبحنا بعيدين عنهم كل البعد لأنها أصبحت في حكم الزمن الماضي، وأصبح ينطبق علينا قوله تعالى عندما حذرنا قائلا (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات) فقد افترقنا واختلفنا وتشتت فينا السبل والمشارب، ما اتخذت من هذه الآية الكريمة مثالا فقط للمسلمين بل لكل الأمة العربية جميعها التي انحدرت شعوبها إلى الدرك الأسفل على الأغلب لأننا افتقدنا الأخلاق الكريمة وانحدر مجتمعنا نحو الهاوية بسبب تخلينا عن الأخلاق والقيم الاجتماعية النبيلة وعن تقاليدنا وعاداتنا الكريمة السليمة واستبدلناها بأخلاق وعادات وتقاليد غريبة عنا انحدرت بنا إلى الهاوية، فاستبدلنا الطيب بالخبيث والجميل بالقبيح، ومما يدعو للأسف أننا أخذنا قشور الحضارة الغربية وما رماه لنا الغرب على العكس منهم تماما فأخذوا ما يصلح لهم وأعطونا ما لا يصلح لنا ونحن تلقناها كتلقف الغريق لقشة في البحر، بل قبلنا وتلهفنا على التقاط ما يرموه لنا من مفاسد لننتهجها ونجعلها فهرسا لحياتنا فضيعنا حضارتنا ومقوماتنا الإنسانية وأصبحنا كالقطيع الذي فقد الراعي.
هنا لا بد من أن يتبادر إلى الأذهان تساؤل ملح ولا بد منه وهو بما أننا كلنا نتحدث عن الأخلاق والقيم الأخلاقية ولكن ما هي الأخلاق وماذا تعني بالنسبة الفرد والمجتمع وهل نعي ما هي وعلى ما تشتمل من المفردات فالكل يوجز الأخلاق بكلمتين وهي أن يكون الإنسان حسن السيرة ويحترم الآخرين فهل هذا هو كل شيء عن الأخلاق، طبعا لا فالأخلاق بالمجمل تعني المرجعية العامة التي تتمثل في الضمير الحي لدى الفرد والسلوك الإنساني له وللمجتمع التي تتمثل في بوتقة واحدة تحفظ الأعراف والتقاليد العريقة والإحسان إلى الآخرين وصلة ذوي الرحم والقربى والشرف والكرم والشجاعة والإخلاص والوفاء بالعهود والمواثيق والصدق في التعامل والعلاقات العامة والخاصة والأمر بالمعروف، ذات الثقافة العلمية الواعية المميزة للخير والشر الداعية إلى اتباع طريق الخير وإحقاق الحق ونبذ الشر واتباع العادات والتقاليد الصحيحة وفق معايير صحيحة غير متناقضة مع الطبيعة البشرية الخيرة والتي تعطي الفائدة للمجتمع بشكل عام والتي لا تعتمد على الخرافة والبدعة والاستبداد بالرأي والتنمر وحيث تقويم الاعوجاج فيها والحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية والعيش المشترك والتي قوامها السلوك القويم القائم على العدالة والمساواة في التعامل بين الجميع والاحترام المتبادل فيما بينهم والتعاون بما يفيد المجتمع وفي مد يد المساعدة والنصيحة الناجعة وإغاثة الملهوف وصد العدوان على الوطن أو المجتمع أو الفرد على حد سواء.
فهل لنا من صحوة نستفيق فيها من سباتنا الذي طال ومن النوم العميق الذي نغط فيه مستدركين الزمن قبل أن ينتهي الطريق بنا إلى اسفل الهاوية حينها لن تقوم لنا بعدها قائمة، فلنعمل على تحقيق ما فاتنا ونسترجع ما خسرناه وما ضاع مننا في هذه الغفلة لنعيد أمجادنا السابقة وحضارتنا التي انهارت بانهيار أخلاقنا.
الدكتور محمد توفيق ممدوح الرفاعي