الدكتور/ وليد محمد وهبه يكتب...الملكية الفكرية فى إطار المفاوضات التجارية متعددة الأطراف
لم تدخل حقوق الملكية الفكرية فى دائرة اهتمام الجات إلا فى الجولة الثامنة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف ( جولة أورجواى 1986 – 1994) . وقد أعلن عن بدء المفاوضات فى هذه الجولة فى 20 سبتمبر 1986 حينما أصدر المؤتمر الوزارى المكون من وزراء تجارة الدول المتعاقدة فى اتفاقية الجات والمنعقد فى مدينة بونتادى ليست Punta del Este بدولة أورجواى إعلاناً وزارياً ببدء جولة جديدة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف عرفت بإسم جولة أورجواى نسبة إلى الدولة التى عقد فيها المؤتمر الوزارى . وقد تضمن الإعلان الوزارى قائمة بالموضوعات التى تدور حولها المفاوضات شملت لأول مرة فى تاريخ المفاوضات التجارية موضوع الملكية الفكرية . وعلى الرغم من اعتراض الدول النامية على إدراج الملكية الفكرية ضمن الموضوعات التى تشملها المفاوضات التجارية متعددة الأطراف تحت مظلة الجات ، واصرارها على أن تعقد المفاوضات برعاية المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) إلا أن فشلها فى توحيد صفوفها وتنسيق مواقفها فضلا عن الضغوط التى مارستها الولايات المتحدة الأمريكية ، كل ذلك أدى إلى صدور الإعلان الوزارى متضمنا الملكية الفكرية كأحد الموضوعات التى تشملها جولة المفاوضات التجارية متعددة الاطراف.
واستغرقت جولة المفاوضات ما يزيد على سبع سنوات ، وانتهت بالتوصل إلى صيغة للوثيقة الختامية للجولة تضمنت كافة الاتفاقيات والوثائق، ووافق مندوبو الدول عليها بتوافق الآراء فى 15 ديسمبر 1993. وفى 15 ابريل 1994 تم التوقيع على الوثيقة الختامية فى المؤتمر الوزارى الذى عقد فى مدينة مراكش بالمغرب فى الفترة من 12 -16 ابريل 1994 . وتضمنت الوثيقة الختامية كافة نتائج الجولة وتشمل 28 اتفاقية أهمها اتفاقية مراكش بإنشاء منظمة التجارة العالمية . وهذه الاتفاقية تعد الاتفاقية الأم لأنها تضم كافة الاتفاقيات الأخرى التى تضمنتها الوثيقة الختامية فى شكل ملاحق تحمل أرقام (1) ، (2)، (3) ، (4) . وقد تضمن الملحق (1) جيم من الوثيقة الختامية اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ( اتفاقية التربس ).
وقد عالجت اتفاقية التربس حقوق الملكية الفكرية فى سبعة أجزاء هى : أحكام عامة ومبادئ أساسية ، المعايير المتعلقة بتوفير حقوق الملكية الفكرية ونطاقها واستخدامها، إنفاذ حقوق الملكية الفكرية ، اكتساب حقوق الملكية الفكرية واستمرارها وما يتصل بها من الإجراءات فيما بين أطرافها، منع المنازعات وتسويتها ، الترتيبات الانتقالية ، الترتيبات المؤسسية والأحكام النهائية .
فمنذ قيام الثورة الصناعية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، بدأ ظهور الاختراعات الحديثة ، واستمر التقدم العلمي والتكنولوجي خلال القرن العشرين ، وقد صاحب ذلك حدوث تغيرات اقتصادية هائلة ، إذ تدفق الإنتاج الكبير وزادت حركة المبادلات التجارية بين الدول ، وظهرت علاقات اقتصادية اقتضت وضع أنظمة قانونية جديدة لحماية حقوق الملكية الفكرية .
وبدأت التشريعات المقارنة فى الاهتمام بتنظيم حقوق الملكية الفكرية بشقيها : الملكية الصناعية ، والملكية الأدبية والفنية ، منذ نهاية القرن التاسع عشر ، فتمتع أصحاب هذه الحقوق بحماية اختراعاتهم ومبتكراتهم الأدبية والفنية واستغلالها فى الدولة التى تعترف بهذه الحقوق . غير أن الحماية التى تمنحها التشريعات الوطنية لم تكن كافية لتحقيق مصالح الدول الصناعية المتقدمة ، لأنها حماية محدودة لا يتجاوز نطاقها الحدود الجغرافية للدولة التى تعترف بهذه الحقوق .
وفى سنة 1873 ظهرت بجلاء حاجة الدول الصناعية الى حماية حقوق الملكية الصناعية على نطاق دولى عندما أحجم المخترعون الأجانب عن الاشتراك فى المعرض الدولى للاختراعات الذى أقيم فى مدينة فيينا تجنبا لسرقة اختراعاتهم واستغلالها تجاريا فى الدول الأخرى بدون مقابل . ولذلك بدأت الدول الصناعية ، منذ نهاية القرن التاسع عشر فى السعى نحو بسط حماية حقوق الملكية الصناعية على نطاق دولى عن طريق ابرام الاتفاقيات الدولية . وأبرمت أول اتفاقية دولية لتحقيق هذا الغرض سنة 1883 وهى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية . وقد عدلت الاتفاقية عدة مرات كان آخرها تعديل استكهولم 1967 . كما أبرمت عدة اتفاقيات دولية أخرى فى شأن الملكية الصناعية .