آراء حرة

الدكتور وليد محمد وهبه يكتب..عقد فتح الحساب البنكي الجاري

 

الدكتور وليد محمد وهبه

أستاذ القانون التجارى والبحرى 

 

ماهو الحساب الجارى ومميزاته وعيوبه

الحسـاب الجـاری هـو عـقـد بمقتضاه يلتزم شخصان بتحويل الحقوق و الديون الناشئة عن العمليات التي تتم بينهما إلى بنود تقيـد فـي الحساب و تتقاص فيما بينها بحيث يكون الرصيد النهائي منذ قفل الحساب الجارى وحده ديناً مستحق الأداء.

و تعرف المادة 361 مـن قـانون التجارة الجديد الحساب الجارى   بأنه ” عقد يتفق بمقتضاه طرفان على أن يقيدا في حساب عن طريقه مدفوعات متبادلة و متداخلة الديون التي تنشـأ عـن العمليات التي تتم بينهما بحيث يستعيضان عن تسوية هذه الديون تباعا بتسوية واحدة تقع على الحساب عند قفله “.

خصائص عقد الحساب الجاري

و عقد الحساب الجاري عقد تابع، بمعنى أنه يفترض وجـود عمليات أصلية متتابعة بين طرفيـه لا تسـوى كـل عمليـة منهـا علـى حدة بل تسوى جميعها دفعة واحدة بطريق المقاصة.

و الحسـاب الجـاري  له مزايـا عديدة. فهـو يسمح بالإقتصـاد في إستعمال النقود، إذ لا محـل فيـه للوفـاء قبـل قفـل الحسـاب.

وهـو أداة للإئتمان و الضمان بفضل المقاصة الإجماليـة عنـد قفل الحساب الجارى وما تؤدى إليـه مـن إعفـاء كـل طـرف مـن الـوفـاء بديونـه فـي الحدود التي يكون دائنا فيها، فيدرأ بذلك خطـر إعسار أو إفلاس الطرف الآخر.

و الغالب أن يتفـق علـى فـتـح الحسـاب الجـارى بين البنك وعميله التاجر. خاصة إذا كانت العمليات التـي يقـوم بـهـا البنك لحساب العميل كتحصيل الأوراق التجارية مقترنة بفتح إعتمـاد مـن البنـك لصالح العميـل.

و قـد يشترط البنـك علـى العميـل ألا يكـون الحساب مكشوفاً من جانبه، بمعنى أن مبلغ القيود الدائنة للعميل يجـب أن يكـون دائمـا أكـثـر مـن مـبـلـغ القيود المدنية،

ويسـمى الحسـاب الجـارى فـي هـذه الحالـة بالحسـاب الجـاري البسـيط أو المكشـوف مـن طـرف واحـد. و إذا لم يوجـد هـذا الشـرط فيكون الحساب مكشوفاً من الطرفين، و حينئذ يجوز أن يكون رصيد الحساب الجارى في أي لحظة دائناً أو مديناً بالنسبة للطرفين.

و يستعمل الحسـاب الجـارى أيضـاً فيمـا بـين الموكـل والوكيـل بالعمولة حينمـا تكـون بينهما علاقات مستمرة متتابعة، فيقيـد الوكيل لعميلـه ثمـن البضـائع و يقيـد عليـه العمولـة والمصاريف المختلفة. و قد يستعمل فيمـا بـين الشـركاء و الشـركة ،

فتقيد للشركاء المبالغ التي أقرضوها للشركة و الأرباح المستحقة ، وتقيد عليهم المبالغ التي يحصلون عليها من الشركة.

و لم يكـن التشريع المصـرى يتضمن أي تنظيم الحسـاب الجارى، فيما عدا بعض مواد قليلة وردت بصورة عرضية في مواطن متفرقة من القانون المدنى (م 233 و 355) و القانون التجارى القديم (م 378 و 381 و 383).

علـى أن هـذا الــنقص التشـريـعـي قـد إستكمله الفقه و القضاء بوضع بناء قانوني للحساب الجاري كـان ولا يزال محلاً لدراسات فقهية هامة. ثم جاء قانون التجارة الجديد وأورد تنظيماً ل الحساب الجاري في المواد من 361 إلى 377 أخذ فيـه بالقواعد التي إستقر عليها العرف التجاري و أقرها القضاء.

و تسـرى أحكام هذه المواد على كـل الحسـاب الجـارى ولـو لـم يكـن أحـد طـرفيـه بنكاً (م 361 فقرة 2). كما تسـرى على الحساب الجاري المشترك المفتوح لدى بنك الأحكام المنصوص عليها في المادة 308 الخاصة بالحساب المشترك (م 361 فقرة 3).

الخصائص الجوهرية للحساب الجاري

الحساب الجاري عقد :

الحسـاب الجـارى عقـد لابـد فيـه مـن إتفـاق بين الطرفين يحدد صـفـة هـذا الحسـاب و الشـروط الخاصـة بـه. و لا يلـزم فـي هذا الإتفاق أن يكون صريحاً بل قد يكون ضمنياً بمعنى أن يتضمن إتفـاق الطـرفين الخصائص المميـزة بالنسبة الحسـاب الجـارى فتنطبـق عليه أحكامه .

وهـو عـقـد رضـائي لا شـكلى. و إذا كـان الحسـاب يـفـرغ عملا في شكل جدول ذي إطار حسابي، فلا أثر لذلك على تكوين العقـد مـن الناحية القانونية. فالقيود شئ، و قصـد الطرفين فـي أن تنتج هذه القيود الآثار القانونية المرتبطة ب الحساب الجارى شئ آخر.

وإثبـات هـذا القصـد أو بعبارة أخرى عقـد الحساب الجارى يخضع للقواعد العامة فيتوقف على ما إذا كان الحساب الجارى تجارياً أو مدنياً أو مختلطاً

وعقد الحساب الجاري من العقود التي تقوم على الإعتبـار الشخصي أي على الثقة المتبادلة بين طرفيه. و لذلك يقوم البنك غالباً

بتحريات واسـعة عـن عميلـه قبـل فـتح الحسـاب الجارى . كمـا أن الحسـاب الجاري يقفل في جميع الأحوال بوفاة أحد طرفيـه أو شهر إفلاسه أو إعساره أو الحجر عليه (م 369 فقرة 2تجاري).

– المدفوعات في الحساب  :

على أن العنصر الجوهري المميز بالنسبة الحساب الجاري فيه عنصر مادي هـو وجـود المدفوعات و هذا المدفوعات ينبغي تحديد طبيعتها ودورها في الحساب الجاري.

طبيعة المدفوعات في الحساب الجاري

– تعريف المدفوعات :

المدفوعات هي الحقوق و الديون التي تنشأ عن العمليات التي تتم بين طرفي الحسـاب و يجـب قيـدهـا فيـه. فهنـاك إذن طـرفـان للحساب أحدهما يسمى الدافع ويأخذ مركز الدائن، والآخرين يسمى القابض   ويأخذ مركز المدين. فإذا أودع العميـل نـقـوداً لـدى البنـك، أعتـبـر هـذا مـدفوعاً مـن العميـل يـدرج فى الجانـب الـدائن الحسـاب الجارى .

و إذا أقـرض البنـك عميلـه أعتـبر هـذا مـدفوعاً مـن البنـك يقيـد فـي الجانب المـدين ل الحسـاب الجارى .

و إذا رد العميل المبلغ الذي إقترضه أعتبر مدفوعاً من العميل يدرج في الجانب الدائن من حسابه، و إذا قام البنك بخصم أوراق تجارية أو بيـع أوراق ماليـة لعميله فيصـبـح مـديناً لعميله بثمنها و يعتبر هـذا مـدفوعاً مـن العميل يقيـد في الجانب الدائن لحسابه. و إذا إشترى العميل أوراقاً ماليـة بواسطة البنـك فإنـه يصـبـح مـدينا للبنـك بثمنهـا و يعتبر هـذا مدفوعا من البنك يقيد في الجانب المدين لحساب العميل،

و على ذلك فكل عملية تتم بين البنك و عميلـه مـن وديعة نقدية أو إقتراض أو رد القرض أو خصم أوراق تجارية أو بيع أو شراء أوراق مالية ينشأ عنها مدفوع يجب أن يقيد في الحساب.

وأيا مـا كـان سبب المدفوع فإن الدافع هو من يسلم المدفوع و يأخذ مركز الدائن و القابض هـو مـن يتسلمه و يأخذ مركز المدين، ففي الوديعة النقدية يكون العميل هـو الدافع و البنك هـو القـابض. و فـي القـرض يكـون البنـك هـو الـدافع والعميل هو القابض.

– شروط المدفوعات فى الحساب الجارى:

و يشترط في المدفوعات، حتى يمكن قيدها في الحساب الجاري، أن تتوافر على الشروط الآتية :

1 – يجـب أن تكـون المدفوعات نقـوداً أو مثليـات متحـدة فى النوع كي تصح المقاصة بينها. و الغالب في الحسابات لدى البنوك أن تكـون المدفوعات مبـالغ مـن النقـود. و قـد تـرد المدفوعات علـى أشياء مثليـة كالبضائع و الأوراق التجاريـة بشـرط أن ينشـأ عنها لصالح الدافع دين تقيد قيمته في الحساب الجارى .

و تمكيناً للمقاصة من الوقوع نصت المادة 368 على أنه إذا تضمنت مفرادات الحساب ديوناً نقدية مقومة بعملات مختلفة، أو أشياء قيمية، جاز للطرفين أن يتفقا على إدخالها في الحساب الجارى بشرط أن تقيـد فـي أقسـام مستقلة يراعى التماثـل فـي المدفوعات التي تتضمنها و أن يصـرح الطرفـان ببقاء الحساب الجارى رغم تعدد أقسامه محتفظاً بوحدته

و تجـب أن تكون أرصدة الأقسام المستقلة قابلة للتحويل فيما بينها بحيث يمكن في الوقت الذي حدده الطرفان أو عند قفل الحساب على الأكثر إجراء المقاصة بينها لإستخراج رصيد واحد.

2 – و يجب أن يكون المدفوع ناشئاً عن دين محقق الوجود ومعين المقدار، فإذا كان الدين منازعاً فيه أو كان معلقاً على شرط واقف، فـلا يـجـوز قيـده فـي الحساب الجاري إلا بعـد إنتهـاء النـزاع بشأنه أو بعـد تحقق الشرط،

أما إذا كـان الـدين معلقاً علـى شـرط فاسخ، فليس ثمة ما يمنع من قيده في الحساب الجاري، حتى إذا تحقق الشرط وزال الحـق بـأثر رجعـي وجـب إلغاء القيـد عـن طـريـق القيد العكسي.

و إذا كـان الـدين مضافاً إلى أجـل فـلا يمنـع ذلـك مـن كونه محقـق الـوجـود و مـن قـيـده فـي الحساب، مما يحقق مصلحة كبيرة في حالة إفلاس المدين بما يستتبعه الإفلاس مـن سقـوط أجل الدين فيتقاص حينئذ مع الديون الحالة المقابلة.

3 – و يشترط في المدفوع أن يكون قد سلم إلى القابض على وجه التمليك

. ويفسر هذا الشرط بأن القابض إذ يتلقى الشئ لتقيد قيمته في الجانب الـدائـن لحسـاب الـدافع، فكأن القابض قد دفع مقابلاً لما يتلقاه، مما يتطلب أن يكون الشئ قد سلم إليه على سبيل التمليك.

وعلـى ذلـك إذا سلمت ورقـة تجارية للبنـك للخصـم بعـد تظهيرها إليه تظهيراً ناقلا للملكية، قيدت قيمتها فوراً في الحساب الجارى.

أما إذا سلمت الورقة التجارية للبنك للتحصيل بعد تظهيرهـا إليه على سبيل التوكيل، فلا يجوز قيد قيمتها في الحساب الجارى إلا بعـد تحصيلها و بالمثـل لا تعـد من المدفوعات التي تقيـد فـي الحساب قيمة الأشياء التي تسلم على سبيل الرهن أو الوديعة.

دور المدفوعات في سير الحساب الجاري

– أهمية المقاصة :

الحساب الجاري أداة للإئتمان يهدف إلى توفير قدر أدنى من الضمان للدائن الذي تنازل عن حقه في الإستيفاء قبل قفل الحساب فإذا أفلس أحـد طرفي الحساب، فإنه بفضل المقاصة بين الديون المتقابلـة يـدرأ الطـرف الآخـر المصير الذي يتعرض لها الدائنون – المدينون.

فـلا يلتزم بالوفـاء للتفليسة بكامـل دينه و بالتقدم فيها بكامل حقـه فيخضع لقسمة الغرماء، بل أنـه يـدخل في التفليسة بقدر الرصيد الباقي فحسب.

وهذا الضمان لا يكون فعالاً إذا إحتفظ كل من الطرفين بالحق في أن يحدد بإرادته المنفردة الحساب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى