أتت زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا كحلقة جديدة في سلسلة التقارب التركي المصري، التي تسارعت وتيرتها منذ زيارة أردوغان إلى القاهرة يوم 14 فبراير الماضي، والتي كانت الأولى له منذ 12 عاما.وبعيدا عن مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين ،والذى يهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين، في مختلف المجالات،والتركيز على الأوضاع في قطاع غزة، وقضايا إقليمية أخرى تشمل الأوضاع في ليبيا والسودان والصومال وسوريا.إلا أن الأهم الذى تقوم عليه العلاقات الحقيقية بين الدول ،هو المصالح المشتركة التى تصب وتظهر المنافع المشتركة لكلا الشعبين، وهو ما نلخصه فى الشأن الإقتصادي،عبر توقيع عدد من الإتفاقيات الثنائية التي تغطي مجالات متعددة، مع مناقشة إستراتيجيات لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. فحجم الإستثمارات التركية في مصر بلغ حوالي 3 مليارات دولار. توفر 70 ألف فرصة عمل بشكل مباشر، ونحو 100 ألف فرصة عمل بشكل غير مباشر، مع تحقيق عائد إجمالي بقيمة 1.5 مليار دولار سنوياً. زيارة الرئيس السيسى لتركيا من المتوقع معها زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وفقاً لإتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2007، ليصل إلى 20 مليار دولار وهو ما يعنى مضاعفة الرقم الحالى.
والواقع يشير إلى أن مصر تحتل المركز 19 بقيمة 294 مليون دولار من إجمالي رصيد الإستثمار المباشر التركي في الخارج البالغ 46.5 مليار دولار، والمركز 36 بمبلغ 45 مليون دولار من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر القادم إلى تركيا من الخارج والذي يبلغ حوالي 130 مليار دولار.ومنذ عام 2002 إنتهجت تركيا سياسات اقتصادية مكنت النمو الاقتصادي للبلاد وعززته، وانخفضت نسبة الدين العام لتركيا، كما تضاعف إجمالي الناتج المحلي منذ بدء هذه الإصلاحات.لتكون تركيا ضمن الدول الأقوى إقتصادا في العالم، والتي تعرف بمجموعة العشرين.
كما صارت مقصداً للإستثمارات المباشرة، وتميزت تركيا بحجم الصادرات الهائل والمتنامي بصورة كبيرة ، حيث وصلت قيمة الصادرات التركية إلى أكثر من عشرة أضعاف عما هي عليه عام 2002، وهى الفلسفة الاقتصادية التى رسمتها مصر حاليا عبر مضاعفة صادراتها السلعية والناتج المحلى الإجمالي عبر محطتين زمنيتين 2027, 2030.
والمأمول من هذه الزيارة التاريخية أن تتضاعف الإستثماراتِ التركية في مصر، وأن تتوسع لتشمل مجالات جديدة مثل ثروات شرق المتوسط وقطاعات الغزل والنسيج والبتروكيميائيات، فضلاً عن إزالة أي معوقات للصادرات المصرية لتركيا، بشكل يوازن التبادل التجاري.وهو ما يتسق مع ما تسعى إليه إستراتيجية التنمية في مصر والتي تسعى الى وضع توجهات مستقبلية تراعي التغيرات العالمية من ناحية ،والتوجهات التنموية المستدامة من ناحية أخرى ، وذلك عبر إستهداف ترسيخ دعائم النهضة الاقتصادية القائمة على زيادة الإنتاج، وزيادة مرونة الإقتصاد المصري ،مع ضمان تحقيق التنمية المكانية المتوازنة، بالإعتماد على توجهات إستراتيجية تتمثل في تحقيق نمو إقت٦قصادي حقيقي يتراوح بين 6% إلى 8% مع التركيز على النمو الدائم للتشغيل لتوفير 8 مليون فرصة عمل حتى عام 2030، كذلك تبني سياسات إقتصادية قابلة للتنويع ،وداعمة لإستقرار الإقتصاد الكلي، مع تعزيز دعائم إقتصاد تنافسي مستدام قائم على المعرفة ، لذا من المتوقع أن تحرص الحكومة المصرية على تخفيض حجم المشكلات الإقتصادية ،وهذا بهدف الحصول على تقدم ملموس بشأن ترتيب مصر اقتصاديا،والوصول إلى أفضل 30 إقتصاد بحلول عام 2030،مع جذب للعملات الأجنبية والإستثمارات التي من شأنها جعل تصنيف ترتيب مصر اقتصادياً يتقدم للأفضل،وقد نجحت الدولة المصرية في رسم خارطة طريق إقتصادية شاملة كان من شأنها تحسن ترتيب مصر اقتصادياً 2024 ورفع معدلات النمو الاقتصادي. وهذا يتطلب التعزيز المتوازن للإندماج في الإقتصاد العالمي، عبر زياره الدور المحوري لقناة السويس، ورفع اداء وحجم تجارة الترانزيت في مصر، مع السعي لشراكات إستراتيجية حقيقية تبنى على المصالح المشتركة بين الطرفين ،وعدم التدخل في الشان الداخلى.
كاتب المقال:
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام