مانشيتاتمحافظات

السجاد اليدوي ؛ جسر من خيوط الذهب بين مصر النيل وبلاد العالم شرقا وغربا …

• سجاد الحرانية بصمة تراث مصرية مغزولة بأنامل حريرية

• الخامات الطبيعية جودة وقيمة وصحة و علي (الأصلي) دوَّر !
May be an image of 4 people and text that says 'AIG'
القاهرة – عمرو عبدالرحمن
تصوير – شيرين فرغل
May be an image of 2 people
في مصر كل شيئ له مذاق مختلف، وجوه البشر، سحر النيل، وعلي ضفافه حرف يدوية عمرها من عمر التاريخ وما قبله.
سجاد الحرانية وسقارة وأبيس من الصناعات الشعبية ، التقليدية التي ترعرت في أحضان أهرامات الوادي العتيق ، منذ عشرات الآلاف السنين.
لم يتطلب الأمر كثيرا ، كي نجد أنفسنا في حضرة الصناع المهرة ، نشاهد بأعيننا التفاصيل الدقيقة لرحلة تحويل خيوط بمختلف ألوان الطيف إلي نسيج منقوش وصولا إلي المنتج النهائي فائق الجودة والتميز والتعبير بصدق عن خطوط مرسومة علي جدران الزمان، محفورة كالشفرة في أذهان الأبناء نقلا عن الآباء والأجداد ، لآلاف الأجيال.
بإحدي الورش المتناثرة علي ضفاف أوردة النيل التي تتشعب مخترقة المناطق الخضراء، التي تتواري قليلا . قليلا ، أمام الزحف العمراني المتزايد ، نتفقد عيونا مرحبة وابتسامات أولاد البلد الأصليين وأصابع صامدة علي أنوالها وغزلها ونسيجها العتيق.
No photo description available.
• الطبيعي يكسب
نظرة سريعة للمشهد داخل المعرض التابع لورشة السجاد اليدوي تجذب الانتباه نحو التدقيق بعمق في أعمال فنية حقيقية تنبض بالحياة والموهبة المتوارثة ، وهو ما نلحظه في الأب الجالس علي ” النول ” يغزل علي ضوء العصاري سجادة من نوع الـ ” كليم ” وبجواره ابنه الصبي الذي انهمك في مساعدة أبيه بمجرد من عودته من مشوار المدرسة القريبة.
سألت الأب ” صالح ” ؛ هل تنوي أن يمضي ابنك علي نفس خطاك ؟
جاءت الإجابة سريعا مصحوبة بلمعان عابر مر بعيون ابنه الصغير ؛ ” أكيد طبعا ” !
وواصل ؛ ” المهنة تتوارثها العائلة وهي كل حياتنا أباً عن جداً ، وابني من بعدي يجتهد معي منذ طفولته ليتشرب بأسرار المهنة ، حتي لو اشتغل بغيرها ، تبقي هي الأساس “.
السجاد والجداريات الصوفية والمشايات والكليم المفروش علي جوانب المعرض والمنثور بترتيب وتنسيق مثير للإعجاب علي الجدران ، يتنوع ما بين الطابع المصري القديم والمراحل التاريخية المتتالية ، قبطي ، إسلامي بعصوره المختلفة ، أو عربي سواء عباسي ، مملوكي ، إلخ، أو شرقي بلمسات خليجية مشرقة.
ويكشف لنا المزيد عن ” سر الصنعة ” بقوله أن السجاد المصنوع يدويا بخامات طبيعية أفضل كثيرا وأفيد من المصنع آليا ، لأن ” الطبيعي ” يحتوي خيوطاً صوفية وقطنية وغزل الأغنام ، عكس الاصطناعية – مهما كانت مبهرة شكلاً – لأنها ، موضوعا تحتوي أليافاً صناعية وعناصر بلاستيكية ضارة ، وكما يقولون ” علي الأصل دوَّر ” !
May be an image of 1 person and scarf
• عشق ومرارة
بلا شك هناك مرارة بين المستثمرين وكذلك العاملين بصناعة السجاد اليدوي ” الصنايعية ” ، نتيجة انخفاض زيارات السائحين من بعض البلدان ، في إطار تداعيات – آخذة في التواري بفضل الله – لأحداث عاصفة مست باستقرار بلاد المشرق جميعا ، لكن غالبية شعوب العالم بدأت تدرك أخيراً ، أن ” أم الدنيا ” لا غني عنها مهما طال البعاد.
يقول ” جمعة ” أحد الصناع المهرة علي أحد الأنوال بورشة لصناعة السجاد اليدوي بقرية الحرانية – محافظة الجيزة – إن مهنته لا تتعلق فقط بغزل السجاد ولكن باختيار الخيوط ما بين محلية أو مستوردة – خاصة من نيوزيلاندا – وبالصبغات ما بين صناعية وطبيعية وبالطبع ” كله بثمنه “.
ويوضح لنا خصائص ” النول ” بأنه عبارة عن عارضة خشبية كبيرة تتشابك فيها الخيوط طولاً وعرضاً، وهي بالنسبة له مثل الكمان بالنسبة لعازفٍ عاشقٍ لمهنته.
المؤكد هنا ؛ أنه وبرغم مؤهله المتوسط إلا أن ” جمعة ” قد بني حياته علي أساس مهنته المتوارثة عائلياً ، المشهورة عالمياً ، وهي التي كانت .. ” سبب رزقه وفتحت بيته بعد زواجه بفضل الله “.
وكشف لنا أن المادة الخام الرئيسة وهي الألياف لها درجات بحسب بلد المنشأ ، وبالطبع فإن ” المصـرية ” هي الأكثر متانة وبالتالي الأغلي علي الإطلاق.
ويشير إلي أن طول ” النـول ” يحدده المقاس المطلوب للسجادة ، بحيث يكون مقاس ” النول ” أكبر دائما بمسافة نصف متر علي الأقل.
ويري ” جمعة ” أن الصناعة العتيدة بدأت تستعيد زبونها الأجنبي من بلاد الغرب ، شيئا فشيئا ، وفي الوقت نفسه بدأت تكتسب أرضا جديدة وجاذبية في أوساط المتزوجين حديثا – في بر المحروسة – حيث هناك كثير من المنتجات القابلة لتأثيث عش الزوجية ، وتكون عملية الاستخدام في ذات الوقت.
ويبلغ سعر المتر في «الكليم» اليدوي المصنوع من الصوف نحو 150 جنيهًا، فيما يتراوح سعر المتر من السجاد اليدوي ما بين 600 إلى ألفي جنيه، وذلك بسبب الوقت الذي تستغرقه صناعة السجاد وكثافة الغرز، وعلى أساسهما يتحدد السعر.
No photo description available.
• صناعة لها تاريخ وحاضر ومستقبل
تمثل الصناعات اليدوية والحرف التقليدية في مصر أحد الأعمدة التراثية والمعالم الاقتصادية للشعب المصري تتوثق من خلالها أواصر التجارة وأوشاج المودة مع الشعوب الشقيقة الشرقية والصديقة الغربية.
وقد بدأت صناعة السجاد اليدوي والكليم منذ عصور مصر الحضارية القديمة ، وصمدت أثناء موجات الاستعمار الفارسي والروماني والبطلمي ، مرورا بالفتح الإسلامي ، إلا أنها عانت توابع الاحتلال التركي نتيجة تهجير الصناع المهرة قسريا إلي الأستانة كما واجهت ضرب الاقتصاد الوطني في عصر الاستعمار الفرنسي والبريطاني ، إلا أنها استعادت بعضا من بريقها عندما أقام حاكمها ” محمد على ” مصنعي غزل ونسيج كبيرين، ولازالت الصناعة مستمرة اليوم ، وهي ككل الحرف اليدوية في مصر – أم المدنية – تتشارك في أنوالها أنامل النساء وسواعد الرجال .
= جدير بالذكر أنه ، وبحسب إحصاءات رسمية ، فإن عدد ورش السجاد اليدوي يصل إلي 161721، يعمل بها نحو 437 ألف عامل مصري.
حفظ الله مصر
May be an image of 2 people and text

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى