تعتمد العقيدة القتالية، لأي قوات مسلحة، في العالم، على عناصر عدة، من بينها، أولاً، توفر أحدث الأسلحة والمعدات، التي تحقق الأمن القتالي للدولة. ومن هذا المنطلق، تعمل كل دولة على شراء أنواع الأسلحة والمعدات، المتطورة، التي تحقق تأمين حدودها، وأمنها القومي، واستثماراتها، التي هي حقوق شعبها. أما ثاني العناصر، فهو تدريب أفراد القوات المسلحة، على تلك الأسلحة والمعدات، وهو ما يقودنا للعنصر الثالث، وهو الفرد المقاتل.
ولقد كان من أهم النتائج التي أبرزتها حرب السادس من أكتوبر من عام 1973، للعالم كله، هو أهمية الفرد المقاتل، في ضوء ما أكدته كافة التحليلات والدراسات، قبل الحرب، من تفوق إسرائيل على مصر والدول العربية، من حيث الكم أو الكيف، أي النوعية، وهو ما سيضمن لإسرائيل النصر، في حال نشوب حرب بينها وأي من الدول العربية.
إلا أن حرب أكتوبر 73 كان لها رأي آخر، إذ فجرت مفاجأة، للعالم، بانتصار القوات المسلحة المصرية على إسرائيل، عكس التقديرات النظرية، مما دفع المراكز الاستراتيجية الدولية لبحث وتحليل أسباب انتصار مصر على العدو الإسرائيلي، المتفوق في التسليح والعتاد المتطور. ووصلت نتائج الدراسات لتحديد السبب المباشر للانتصار المصري في تلك الحرب، وهو الجندي المصري، الذي ظل ست سنوات كاملة، هي عمر حرب الاستنزاف، يرى كل يوم بعيونه أرض سيناء، وقد نهبها العدو الإسرائيلي، ورفع عليها علمه، فكان ذلك أكبر دوافعه للقتال يوم السادس من أكتوبر، حتى يسترد الأرض، ويحفظ الكرامة.
ومنذ نصر أكتوبر 1973، وضعت القوات المسلحة المصرية استراتيجيتها القائمة على الاهتمام بالفرد المقاتل، جندياً كان أو ضابطاً، على مختلف المستويات، أولها تحسين حياة ومعيشة الجندي، داخل وحدته في القوات المسلحة، ومنها أماكن المبيت، ووجبات الطعام، ووسائل المواصلات، فتم، على سبيل المثال، إنشاء جهاز للنقل والمواصلات، خاص بأفراد القوات المسلحة، فاختفى مشهد كنا نراه، قبل الحرب، وهو رؤية الجنود، في صباح كل يوم، في الميادين، لركوب المواصلات العامة.
وعلى مستوى المعيشة تم إنشاء مصانع الطعام، المسئولة عن تقديم الوجبات للجنود، بصورة لائقة، ووصلت الوجبات للجندي على خطوط الحدود، في نقاط لا يصل إليها مخلوق غيره؛ فأصبح بها فرن صغير للخبز، وثلاجة تعمل بالطاقة الشمسية، لحفظ الطعام الذي يصل إليه كل ثلاثة أيام، وأصبح هناك ميسات مجمعة، في مناطق الإعاشة والمعسكرات، يدخل إليها الجندي، ليتناول طعامه، على صينية مقسمة، ليختار بين أنواع الأطعمة، مثل الأرز أو المكرونة أو أنواع الخضار وغيرهم.
أما على المستوى التعليمي، وهو العنصر الأساسي، فأصبحنا نرى خروج الضباط في دورات تدريبية، شرقاً وغرباً، للتعرف على أحدث أساليب القتال في مختلف العقائد العسكرية. وقد شرُفت بأن أكون أحد أوائل هؤلاء الضباط، وأنا برتبة رائد، عندما ابتُعثت، في عام 1975، لدورة كلية الأركان حرب في كلية كمبرلي الملكية، ببريطانيا، وشارك غيري في دورات للضباط في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والهند، وباكستان، وروسيا، وغيرهم من الدول. كما تم رفع مستوى الكليات والمعاهد العسكرية، فصار طالب الكلية الحربية، اليوم، يتخرج بعد أربعة أعوام، حاملاً شهادة بكالوريوس العلوم العسكرية، بالإضافة إلى شهادة إدارة أعمال من أحد الجامعات المصرية، وصار ضباط الدفاع الجوي وضباط سلاح الإشارة حاملين لدرجة بكالوريوس الهندسة، وهو ما لم يكن معمولاً به، سابقاً، فانتسبت، وأنا برتبة مقدم، لكلية الآداب، قسم تاريخ.
وطال التطور كلية الحرب والدفاع، بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أكاديمية ناصر سابقاً، التي اجتذبت الكثيرين من الدارسين الأجانب، خاصة من الدول العربية ومن فرنسا وباكستان وأفريقيا وغيرهم، بسبب تميز كلياتها، ورقي سمعتها العلمية، المبنية على الخبرة القتالية للجيش المصري في حرب 73.
وبالنسبة للتدريب الفعلي في أرض المعركة، وهو ما يعد جوهر القوات المسلحة، فقد تم تحديث كافة ميادين التدريب، للقوات المسلحة المصرية، بكل الأسلحة، فأصبحت معاهد التدريب تستخدم أحدث النظم العالمية، المنقولة من خبرة الدول الأجنبية، خاصة ميادين رماية الفرد، والمدفعية، والدبابات، وصواريخ الدفاع الجوي، وهو ما برهنت عليه التدريبات المشتركة، إذ تعد مصر أكثر دول العالم، التي يجري فيها تدريبات مشتركة مع قوات الدول الأجنبية، بناءً على طلب منهم، وأهمهم تدريب “النجم الساطع” مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يتم كل عامين، بمشاركة قوات 14 دولة، وقادة عشر دول.
لذلك لم يكن غريباً أن تصنف مؤسسة جلوبال فاير باور، القوات المسلحة المصرية، ضمن الخمس عشر دول الأوائل عسكرياً، على مستوى العالم، والأولى عربياً وأفريقياً، والثانية بمنطقة الشرق الأوسط، وبعدها إسرائيل، وهو ما يعود فيه الفضل بنسبة كبيرة لمستوى الفرد المقاتل المصري، المدرب على استخدام الأسلحة الحديثة، ويكفي أن تعرف، عزيزي القارئ، أن طاقم الدبابة الأمريكية M1A1، الأربعة، كلهم مهندسين مجندين، وكذلك أطقم الصواريخ ورادارات الدفاع الجوي.
لقد وضعت المنظومة بأكملها لتوفر للجندي معيشة كريمة، سواء في المعسكر أو في التدريب، بما يؤهله للتفوق كمقاتل مدافع عن حدود مصر، وأمنها، خاصة بعد توفر المعدات الحديثة المتطورة، التي يتدرب عليها المقاتل، من خلال برامج الإعداد والتأهيل، ليجيد استخدامها بوحدته في أوقات السلم، ويتقن استخدامها في التدريبات المشتركة مع الدول الأخرى، ويستعد لاستخدامها بتفوق، بإذن الله، إذا ما دفعته الظروف للدفاع عن أرض مصر واستثماراتها، ليثبت أنه خير أجناد الارض