توب ستوري

القاص المغربي جمال عتو يكتب.. بلاغ كاذب (قصة قصيرة)

بلاغ كاذب ( قصة قصيرة )

 

 

رن هاتفي ذات صباح يوم عطلة ، كان الجو قائظا ، رقم هاتف المتصل غريب ، فتحت خط الاتصال فبادر صوت جهوري : 

_ ” صباح الخير سيدي ، أنت المسمى : ج . ع ، نوجه لكم دعوة غذاء بمطعم في أقصى المدينة ، لا تسأل عمن دعاك ، سنوافيك عبر تطبيق علبة الرسائل بعنوان المطعم ورقمين سريين احتفظ بهما جيدا ومعلومات هامة ، كل شيء على شرفك بالمجان ، تحياتنا .” .

بعد ثوان معدودة توصلت بموعد الحلول بالمطعم والعنوان و رقمين سريين ، الأول لدخول المكان والثاني لطلب نوعية الأكل ، ترددت بادئ الأمر وبعد تفكير استقر رأيي بالذهاب ملبيا الدعوة ، حلقت وجهي ، واخترت من اللباس مايليق بالدعوة وصرت أترقب اقتراب الموعد .

حللت بمكان المطعم قبل الموعد بدقائق ، كان يتألف من طابقين مأثثين بالزجاج المائل إلى الزرقه ، بابه الخشبي المزخرف بنقوش بديعة كان موصدا ، بجانب الباب وجدت لوحة اليكترونية مكتوبة فوقها عبارة : سجل من فضلك رقم الدخول السري ، ضغطت على أزرار مرقمة ففتح الباب بدقة بالغة ، ترجلت متوجسا ، كان الهدوء سيد المكان ، بعض الزبائن جالسين على موائد متفرقة ، منهم من يتناول وجبته ومنهم من ينتظر ، انتظرت ناذلا يأتيني لأطلب ما أريد فطال انتظاري ، فجاة ظهر روبو على شكل إنسان متجها إلى مائدة جلس حولها فردان حاملا أنواعا من الأكلات ، وضعها أمامهما بلباقة مدهشة ثم رجع من حيث أتى ، سقط في يدي وهممت بالانصراف ، فلم أعد أعي من حالي شيئا ، قام رجل ستيني زبون من مكانه واقترب مني مخاطبا : 

_ ” إذا أردت وجبتك الآن فأدخل رقمك السري الثاني في تلك اللوحة الالكترونية ” ، وأشار إلى مكانها ، نهضت هذه المرة وقد راودني شعور بمواكبة هذه المغامرة فأدخلت الرقم السري الثاني الذي توصلت به ، وعدت إلى مكاني أستطلع المكان كمحقق نبيه ، وماهي إلا ثوان حتى جاءني الروبو ، في يده لوحة مربعة على شاشتها جدول اللغات و في أسفلها مكتوب :

” اختر من فضلك لغة التواصل ” ، ضغطت على زر اللغة العربية طبعا ، فظهرت جداويل بها انواع المقبلات والمأكولات والفواكه ، فاخترت النفيس منها مادام الغذاء مجانيا.

بعد دقائق قليلة حل الروبو بأطباق متنوعة ، انحنى قليلا احتراما بعد وضعها في نظام وتناسق ورجع إلى المطبخ ، ولأن رغبة جامحة لمزيد من الاستطلاع غمرتني توجهت نحو المطبخ فصرت أنظر خلسة كلص محترف عبر نافذة زجاجية ، كانت حركات أذرع فلاذية ذائبة وآلة منهمكة في إعداد الأطعمة في غياب تام للعنصر البشري ، هذا ذرع يقلي البطاطس وذاك يجزئ اللحم ، وآخر يخرج السمك من الفرن ، شعرت بأحدهم يربت على كتفي استدرت فوجدت روبو في هيأة إنسان على صدره مكتوبة عبارة : رجل الأمن ، يطالبني بالرجوع إلى مكاني للحفاظ على النظام العام .

انتهيت من تناول وجبتي الفاخرة ، أحضر لي الروبو نبيذا فالتمست إليه باستبداله بمشروب غازي ، اقترب مني المسؤول الأمني الالكتروني بعد ربع ساعة معلنا نهاية فترة تواجدي بالمطعم طالبا مني تسجيل الرقم السري الأول ثانية لفتح باب المطعم والمغادرة .

شغلت هاتفي وفتحت علبة الرسائل فكانت المفاجأة التي عصفت برأسي فلم أعد أعي شيئا ، لقد تم مسح الرقمين السريين ، تفقدت رقم المتصل الذي دعاني فألفيته مسموحا كذلك ، يا الهي ، ماذا أفعل ؟ ، انتظرت قليلا ، تقدم زبون لتسجيل رقمه السري ويغادر فرافقته لعلي اتمكن من الخروج لكن بمجرد اقترابي من الباب الخشبي حتى صار جرس الإنذار يطلق صفارات متواصلة ليأخذني المسؤول عن الأمن من ذراعي ويقتادني إلى حجرة شبيهة بزنزانة انفرادية .

مررت برحلة مراطونية من البحث والتدقيق والتحري من طرف ثلاثة روبوات عرفوا أنفسهم بالمحققين ، كانوا في غاية اللباقة ، قدم لي أحدهم علبة سجائر فاعتذرت لأني لا أدخن ، استفسروني عن الوقت الذي تم فيه الاتصال بي ورقم الطاكسي الذي أقلني إلى المطعم واهتماماتي وتوجهي السياسي ومستواي الدراسي ومهنتي ومواقفي حول قضايا دولية مختلفة ، وكان الحوار الخطير الذي جرى بيني وبين رئيسهم هو كالتالي : 

_ كيف تم مسح رقميك السريين ورقم المتصل بك ؟ هل تريد البقاء هنا ، لا مكان للبشر في طواقمنا .

_ أنا لا أدري كيف تم مسح الأرقام ، ثم إني دخلت المطعم بواسطة الرقم السري الأول فكيف تعاملونني كأنني محتال ؟

_ أنت أول حالة يحدث لها هذا ، ولا نظن أنك ستخرج ، نعتقد أنه بفعل فاعل أرادوك أن تمكث هنا ، ربما هي خطة الخصوم .

_ ولماذا أكون وسيلة لخصومكم ، هذا مطعم مزود بالروبوات

يقدم للزبناء الوجبات فقط .

_ لا ، هناك اهداف أكبر من ذلك . 

_ ماهي أرجوك ؟ لقد أخذتني الحيرة .

_ سأقول لك مادمت ستبقى هنا معنا إلى أن يأتيك الموت مع الأسف ، لقد أصبحت منا وانت ثاني بشري نكلفه بمهمة ما في ردهات المطعم المتوارية ، الأطعمة التي نقدمها لمن يلبي دعوتنا بها شرائح رقيقة جدا ومتنوعة ، كل شريحة لها وظيفتها لمدنا بمعلومات حول التفكير والإحساس والشعور والتخطيط والأداء وحتى التمني ، لهذه الشرائح إرساليات إشعاعية نتوصل بها هنا ونقوم بتجميعها و إنجاز تقارير لفائدة جهة مسؤولة .

_ ومن أكون أنا الرجل البسيط حتى تملؤوا جسمي شرائح إشعاعية خطيرة ، أنا لست رجلا نافذا ولا في موقع القرار .

_ انتهى الكلام سيدي هنا .

أعترف بأن المحققين كانوا في غاية اللطف معي ، انسحبوا وتركوني وحيدا عرضة للدهشة الممزوجة بالحسرة ، إذ كيف سأقضي بقية حياتي في هذا المكان بين آلات إلكترونية وأذرع فولاذية ، ثم ماهي أهداف القائمين على هذا المبنى الذي اتخذ مطعما واجهة لتصريف خطط مبهمة عصية على الفهم ، هل لهم علاقة بمخلوقات فضائية من كوكب آخر ؟ .

قضيت ليلتي بحجرة أنيقة ، قدموا لي عشاء فاخرا ، لم يزرني النوم أبدا ، قبل الفجر بقليل سمعت طرقا خفيفا على باب الحجرة ، فإذا بالمسؤول عن أمن المدخل يدخل بحيطة بالغة ويقترب مني ويسلمني رقما طالبا مني التسلل حالا وتسجيله بالآلة المحادية لباب المطعم والإسراع بالمغادرة قبل أن يشعر بي أحدهم ، شكرت له صنيعهم فأخبرني بأنه كان بشرا قبل شهور فحولوه إلى روبو بفعل شرائح ، وقد حدث له ما حصل لي تماما .

توجهت رأسا إلى مخفر الشرطة لأخبرهم عن قصتي كاملة، أحالوني على طبيب معتمد ، فحصني ، لم يجد في أحشائي ما يعضد ادعائي ، قفلت إلى منزلي ، استبدلت ثيابي ، ارتميت على سرير منهكا ، توصلت بميساج عبر هاتفي ، تذكرت ، إنه رقم المتصل الذي دعاني إلى المطعم ، فتحت علبة الرسائل ، قرأت عبارة :

_ ” نحن شرطة المدينة ، نخبركم بأن بلاغكم كاذب ، لم نعثر على مكان المطعم ، المرجو عرض حالتكم على طبيب الأمراض النفسية أو العقلية ، وإن عدتم إلى تصرفكم سنكون مضطرين لاعتقالكم بتهمة المس بالأمن العام ، تحياتنا “.

قهقهت بشكل هستيري ، غمرتني رغبة جامحة في البكاء ، استسلمت لنوم عميق .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى