عندما بدأت المفاوضات المصرية، من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية (حماس) في غزة، حيث اعتمدت مصر في الأساس على لقاءات باريس واحد وإثنين، والتي حضرها وليم بيرنز مدير المخابرات الامريكية CIA واللواء عباس كامل مدير المخابرات القادمة المصرية ورئيس الوزراء القطري ورئيس الشاباك الاسرائيلي والتي وضعت الإطار العام لأي مبادرات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس مستقبلا.
وبعد ان هدأت اعمال القتال بين إسرائيل وايران وايران بدأت مصر في إعداد المبادرة المصرية لعرضها على الجانب الإسرائيلي وحماس في غزة. وكان أمام مصر المشكلة الكبرى التي كانت حماس تضعها عقبة رئيسية دائما في قبول أي مبادرة للسلام وهي أن حماس تطلب أن تشمل أي مبادرة على وقف دائم للقتال Permanent cease fire وتحقيق سلام دائم في أي مبادرة.
وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل ترفض هذا السلام الدائم حيث أعلنت بكل صراحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن وقف إطلاق النار الدائم وتحقيق السلام، يعني اعلان هزيمة إسرائيل. وانتصار حماس لأنه بعد سبعة شهور من قتال القوات الإسرائيلية أمام حماس لم تحقق إسرائيل أي من أهدافها الأربعة من القتال فما زال الرهائن الإسرائيليين في يد حماس وما زالت حماس موجودة ولم يتم القضاء عليها ومازالت غزة لم تقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي أما النقطة الرابعة والتي هدفت إليها إسرائيل منذ بداية الحرب، وهو نقل سكان غزة إلى إلى صحراء سيناء، ولم تنجح في ذلك لأن الرئيس السيسي صمم على عدم تنفيذ هذا الإجراء وكان نجاحا باهرا لرئيس لمصر. حيث ايده في ذلك وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ورئيس المخابرات الامريكية CIA وليم بيرنز ونائب الرئيس الامريكي عندما قابلها في الامارات.
وعلى الجانب الاخر، كان نتنياهو يرى أن وقف إطلاق النار مع حماس هو هزيمة لإسرائيل، كذلك يرى أنه في اليوم التالي لإيقاف إطلاق النار الدائم، سوف يخرج نتنياهو من الوزارة، وسوف يحاسب من لجنة المحكمة الدستورية العليا في إسرائيل، مثلما حدث في لجنة اجرانات. بعد حرب 73. كذلك، سوف يقدم الى المحكمة الإسرائيلية المدنية في ثلاث تهم فساد، والتي يتم تأجيلها كل مرة لوجوده على رأس الوزارة الإسرائيلية.
ومن هنا هو يعلم تماما أنه سوف يحاكم مدنيا ويحكم عليه بالسجن، لذلك فإن نتنياهو كان يهدف إلى عدم قبول أي اتفاق سلام دائم مع حماس. ومن هذا المنطلق، قدمت مصر مبادرة السلام بين إسرائيل وحماس، ووصلت بنود المبادرة إلى إسرائيل، وبعد دراستها، وجدت إسرائيل أنه ليس بها أي بند يحدد أن المبادرة تحقق وقف اطلاق النار الدائم Permanent cease fire بين إسرائيل وحماس. لذلك، وافقت إسرائيل على المبادرة، وهي مطمئنة تماما أن حماس سوف ترفض هذه المبادرة، وهنا تصبح حماس أمام العالم كله هي التي ترفض السلام، ويستمر نتنياهو في رئاسة الوزارة. رغم كل المظاهرات التي تعم تل أبيب. من عائلات الرهائن التي تطالب رئيس الوزراء بعمل أي شيء لإخراج الرهائن، وتأملات الجنود التي ترفض استمرار الحرب وهنا كان يقول نتنياهو نحن وافقنا على المبادرة، لكن حماس هي التي ترفض، وهذا أعطاه الحق باستمرار الضغط والقتال على الفلسطينيين في كل أنحاء غزة. والضفة الغربية لإجبارهم على التنازل وتحقيق مطالب نتنياهو.
وجاءت المفاجأة. والصدمة لقد وافقت حماس على المبادرة المصرية، حيث نجح المفاوض المصري في أن يبدل كلمة وقف إطلاق النار دائم Permanent cease fire إلى وقف إطلاق نار متجدد Extended cease fire أي أنه بعد وقف إطلاق النار في ثلاث مراحل يمكن تطبيق استمرار وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في المرحلة الرابعة. وجاء قرار حماس، بالموافقة على المقترح المصري ليكون صدمة لإسرائيل، وبالذات لنتنياهو، وأصبح للجميع أمام العالم كله أن حماس وافقت. على المبادرة، وأن القرار الآن في الملعب الإسرائيلي، وهنا جاء الرد الإسرائيلي لكي ينسف هذه المبادرة حيث قامت إسرائيل باقتحام الطرف الشرقي من رفح، المنطقة الخالية من عناصر حماس بل ويقتحم معبر رفح من الجانب الفلسطيني وبالتالي تتوقف إمدادات المساعدات الإنسانية إلى أبناء غزه خاصة أن إسرائيل تسيطر على معبر كرم أبو سالم وهكذا جاءت هذه قرارات الإسرائيلية لتنسف أي جهود لإيقاف اطلاق النار . وهكذا. تعقدت المشكلة. كل ذلك بسبب أن نتنياهو يريد إفشال معاهدة السلام ويرفض تطبيقها، ويرى استمرار تطور القتال وعدم قبول وقف اطلاق النار وبذلك نجحت حماس في أن تلقي الكرة في الملعب الإسرائيلي، وعلى الطرف الآخر، أصبحت الولايات المتحدة أيضا في موقف صعب في إنها مسؤولة عن أمن إسرائيل، ولكن جاء إفشال هذه المبادرة المصرية من نتنياهو وخاصة أن تلك المبادرة المصرية كانت تحت إشراف وليام بيرنز مدير المخابرات CIA، الذي جلس في المنطقة أكثر من أسبوع في محاولة لإنهاء وقف القتال.
وأمام ضغط الشارع الأمريكي واعتصامات الطلبة في الجامعات الأمريكية، احتجاجا على ما تفعله إسرائيل في غزة من قتل النساء والأطفال وهدم المنازل، مما دفع أمريكا إلى اتخاذ قرار بتعطيل شحنة قطع الغيار. والذخائر إلى إسرائيل، وهو أمر صعب للغاية على الجيش الإسرائيلي، حيث أن الحرب الحالية في غزة استنفذت الكثير من الذخائر الإسرائيلية في تلك الحرب ضد المباني في غزة.
وخاصة ذخيرة المدفعية 155 مم وقطع غيار الدبابات والمركبات المدرعة الأمر الذي يضع الجيش الإسرائيلي في موقف صعب في الفترة القادمة، وبالطبع جاء هذا التصرف من الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأنه لا يريد أن يخسر الأقلية العربية والمسلمة في الانتخابات الأمريكية القادمة وهي فترة حساسة جدا في تاريخ أمريكا في الفترة القادمة، ويكفي أن الرئيس الأمريكي لأول مرة منذ 30 عام لم يدعو الجالية الإسلامية في أمريكا لحفل إفطار سنوي في رمضان في البيت الأبيض كالعادة التي تتم كل عام بسبب عدم رضاء المسلمين الأمريكيين. عن تصرف بايدن لدعم إسرائيل وعدم اتخاذ موقف تجاهها نحو قتل الفلسطينيين من النساء والأطفال، كل ذلك وضع إسرائيل في ماذق، وأعتقد أنها لم تتعرض له من قبل خلال السنوات الماضية. بأن تتأثر العلاقات مع الولايات المتحدة. بصوره سلبيه وعلى الطرف الاخر استغل ترامب ذلك ليقف ضد بايدن في الانتخابات. وهكذا عاشت إسرائيل هذا المأزق التي حاولت فيه إيقاف مسيرة السلام بالهجوم على أطراف مدينة رفح والاستيلاء على معبر رفح الحدودي في الجانب الفلسطيني لكي يتطور المأزق الإسرائيلي أكثر واكثر. خلال الفترة القادمة وتتعثر الجهود الدولية للوصول الي سلام في كل المنطقة وخاصة بعد توقف عبور الشاحنات التي تحمل مواد الإغاثة الي اهالي غزة ويصبح الامر كارثة إنسانية بل دخلت مصر أيضا ميدان التصعيد بإعلانها دعم جنوب أمريكا ضد إسرائيل امام محكمة العدل الدولية اعلانها منها عدم رضاءها عن التصرف الإسرائيلي تجاه وقف السلام في المنطقة.