المحامي د.علاء صابر الموسوي يكتب.........الحق والعدل
للقانون الاسلامي ميزان يوزن به ومقياس يقاس على أساسه لتحديد طبيعته وقيمته ، وأثره وغايته ، وأتساقه مع غاية الوجود الكبرى .
فالقانون الاسلامي يقوم على أساس من معيار (( الحق والعدل)) كقيمتين ثابتتين في الحياة .
ويشكل هذان المفهومان (( الحق والعدل)) الأساس والقاعدة التي يجري عليها التشريع الإسلامي بأسره ، فما من قانون ولا تشريع ال وقد قام على أساس هذين المبدئين ، شأنه شأن سائر حقائق الكون الأخرى ، ولو شأنا التعرف على( فكرة الحق والعدل) من وجهة النظر الإسلامية لاستطعنا أن نكتشف السر في قيام التشريع الإسلامي وابتنائه على هاتين القاعدتين ، فهو يكمن في أن توفر صفة الحق في الشيء تمنحه أهلية الولادة والحدوث المشروع في حياة المجتمع ، لان الباطل لا موضع له ولا أصالة في نظر الإسلام ، ولذا سمي باطلا ، اي زائلا لإثبات له ، وعبثا لا مبرر لوجوده ، وهدرا لا قيمة لذاته .
وما هو إلا التناقض والاتجاه السلبي الذي يمارسه الإنسان ضد فكرة الحق ، لذا رفضه القرآن واعتبره طارئا زاهقا لا يقوى على احتلال مكان الحق والثبات في عالم التحقيق .
( بٓل نٓقذٍفُ بٍالحقٍ عٓلٓى البٓاطٍلٍ فٓيٓدمٓغهُ فٓإذا هُوٓ زٓاهٍقُ وٓلكمُ الوٓيلُ مٍما تٓصٍفون ) الانبياء / ١٨ …
( وٓقُل جٓآء آلحٓقُ وٓزٓهقٓ البٓاطٍل إٍن البٓاطٍلٓ كٓانٓ زٓهُوقا ) الاسراء / ٨١ …
ومن يستطيع أن يشخص فكرة الحق التي تمنح الشيء ( قانونا كان أو موضوعا ) أهلية الحدوث واحتلال موقع محدد في عالم الوجود غير خالق الوجود الذي أحاط علمه بكل شيء ؟
لذا جاء تشريع المشرع الوضعي باطلا لايعرف الحق واعتباطا لايعرف التقييم ، وجزافا لا يعرف التقدير ، وزائلا لا يملك الثبات وعبثا لا مبرر لوجوده ، غير إرادة المشرع وهواه .
فالإنسان المشرع وهو يشرع لايعرف موقع التشريع ولا قيمته أو آثاره بالنسبة لحقائق الوجود وغاياته .
لذلك وصف القرآن الكريم هذا التصرف من الإنسان بأنه ؛ خلط وخبط وتيه ، وجهالة وتزييف ، فتسائل مستنكرا تصرف هذا الإنسان الجاهل الذي تصدى لمسؤولية التشريع بقوله :
(( وٓلٓا تٓلبٍسُو الحٓقٓ بٍالبٓاطٍلٍ وٓتكتُموُا الحٓقٓ وٓانتُم تٓعلٓمون )) البقرة / ٤٢ …
ثم أكد بعد ذلك هدف التشريع الإلهي ودوره في تحديد الحق وطرد افرازات النفس البشرية الضالة التي اقحمت على الحق منهجا وتشريعا عابثا باطلا فقال تعالى:(( لٍبُحقٓ الحٓق وٰيُبطٍلٓ البٓاطٍلٓ وٓلٓو كٓرٍهٓ المجرٍمُون)) الانفال/٨ …
(( وٓبالحق أنزٓلناهُ وٓبٍالحٓقٍ نٓزٰل ….)) الاسراء / ١٠٥ …
أما المعيار الثاني الذي يقوم عليه التشريع الإسلامي هو معيار ( العدل ) ، والعدل هو الميزان الذي توزن به الاشياء ، وتعرف قيمتها ، فهو وضع الشيء في موضعه ، واعطاء كل ذي حق حقه .
ويحتل العدل الموقع الثاني في التشريع الإسلامي بعد مقياس الحق ، إذ كل شيء اكتسب صفة الحق يكون إقراره وتنفيذه في رأي الاسلام عدلا وحذفه ظلما وعدوانا .
والعدل هو صفة الله المقدسة التي تنطبع آثارها في كل أفعاله ومظاهر رحمته ، بما فيها القانون الموحي للبشرية جمعاء لذا فإن مفهوم العدل في القرآن يسلك كقاعدة أساسية تقوم عليها أفعال الله سبحانه ، سواء التكوينية منها أو التشريعية .
وقد عبر القرآن الكريم عن وجود هذا المقياس في الشريعة الإسلامية بعبارات مختلفة ، كالميزان ، والقسط ، والعدل ، والقسطاس المستقيم ، ..الخ ، فقال عز من قائل (( إنٓ الله يٓأمُرُ بٍالعٓدلٍ وٓالاحسٓانٍ وٓايتاءٍ ذي القُربى وينهى عن الفحشاءٍ والمنكٓرٍ وٓالبغي يٓعٍظُكُم لٓعٓلكُم تٓذٓكرون )) النحل / ٩٠ …
(( إن الله يٓأمُرُكُم أن تُؤدوا الاماناتٍ إلى أهلٍهٓا وٓاذا حكمتُم بين الناسٍ أن تحكُمُوا بٍالعٓدلٍ ، إن اللهٓ نٍعٍما يٓعٍظكُم بٍهٍ ، إن الله كانٓ سٓميعا بٓصيرا )) النساء / ٥٨ …
(( وٓ نٓضٓعُ الموازينٓ القٍسطٓ لٍيٓومٍ القيامة فٓلا تُظلٓمُ نٓفسُ شٓيئاً وٓإن كانٓ مٍثقالٓ حٓبة من خردل أتينا بٍهٓا وٓكفى بٍنا حٓاسبينٓ)) الانبياء / ٤٧ …
وكما دعى القرآن للعدل بالتأكيد عليه ، قام أيضا يشجب الظلم واستنكاره في مواضع متعددة وحمل على الظالمين وتوعدهم باللعنة والعذاب ، مثال ذلك قوله تعالى :(( وٓسٓيعلٓمُ الذين ظٓلٓمُوا أي مُنقلب يٓنقٓلٍبُون)) الشعراء / ٢٢٧ …
(( يٰومٓ لٓا يٓنفٓعُ الظالمينٰ مٓعذٍرتُهم ولٓهُم سُوءُ الدار )) غافر / ٥٢ …
وبذلك اعتبر الإسلام ( العدل) قاعدة أساسية لقيام أي شيء في الحياة ، فلا يصح فعل أو قانون الا على أساس فكرة العدل ، لان العدل يحدد للموضوع وللتشريع قيمته وقدره ، ويبين موقعه في موازنة الاشياء والأحداث ، ليأتي التشريع دقيقا موزونا لاتضييع فيه ولا ظلم . ويفقد القانون الوضعي مثل هذه القيم والمقاييس والموازين ( الحق والعدل) بصيغتها الموضوعية وبطبيعتها الواقعية .
لانه لا يملك واقعية محددة وثابتة عن مفهوم العدل: وانما ينظر إليها نظرة نسبية تخضع لطبيعة الأوضاع والتقديرات الإنسانية الذاتية لذلك تحول مفهوم (( الحق والعدل)) إلى اعتبار إنساني تتلاعب به أهواء المشرعين ورغبات المقننين .
وتتركز الموضوعية في القانون الاسلامي في نزاهته من اندساس المصالح الذاتية والعوامل اللاشعورية التي تساهم بوعي وبلا وعي من المشرع الإنسان في أحكامه وقوانينه التي يشرعها ويضعها ، لان عوامل البيئة والوراثة والتربية والاستعدادات الذاتية للفرد تساهم مساهمة فعالة في فهمه وتقييمه وأحكامه ، يعني أنها متأثرة بالبيئة والظروف والأوضاع النفسية والاجتماعية ، وبالانفعالات والمصالح الذاتية للمشرع ، لذا فهي تحمل امراض المجتمع ، وتكرس إرادة المتسلطين لأنها تتأثر بذات المشرع ونوازعه .أما القانون الاسلامي فإنه قانون علمي موضوعي نزيه ، بعيد عن هذه الدوافع والمؤثرات التي تؤثر في المشرع الإنسان .
لان المشرع الحق هو الله سبحانه ، وهو منزه عن كل هذه الميول والمؤثرات التي لا يمكن للإنسان أن يتحرر منها بصورة نهائية ومطلقة وهذا هو سر ابتناء الشريعة الإلهية على أساس الحق والعدل ، واستيعابها لخير البشرية وأهدافها النبيلة في الحياة .
المحامي د.علاء صابر الموسوي يكتب………الحق والعدل