رغم أننا أصدقاء منذ الصغر في مدينتنا الحبيبة بورسعيد، إلا أنني لم أعرف إمكانيات هذه الشخصية العظيمة إلا : عندما أصبحت محافظاً للأقصر وتعاملنا معاً ! لمدة سبع سنوات، هي فترة أن كنت محافظاً للأقصر.
وفايزة أبو النجا، من مواليد ۱۲ نوفمبر في مدينة بورسعيد تولت منصب وزيرة الدولة للشئون الخارجية في وزارة الدكتور / عاطف عبيد في نوفمبر عام ۲۰۰۱ ، ثم وزيرة التعاون الدولي في وزارتي الدكتور / أحمد نظيف الأولى والثانية، ثم وزيرة التخطيط والتعاون الدولي في وزارات الفريق / أحمد شفيق والدكتور / عصام شرف والدكتور / كمال الجنزوري الثانية عام ٢٠١٢ ، وفي ه نوفمبر ٢٠١٤ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بتعيينها مستشاراً لرئيس الجمهورية للأمن القومي لتصبح أول سيدة في مصر تتولى هذا المنصب.
وللوزيرة فايزة أبو النجا تاريخ طويل في مجال السياسة الخارجية منذ عام ١٩٧٥ عندما التحقت للعمل في وزارة الخارجية المصرية وكان أول مهمة لها في الخارج هي عضو في البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك ۱۹۷۹ ١٩٨٤ ، حيث مثلت مصر في اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة لنزع السلاح والأمن الدولي وكذلك في اللجنة الثالثة المعنية بحقوق الإنسان والمسائل الاجتماعية وفي مجلس الأمم المتحدة لناميبيا حتى استقلالها.
ولقد شغلت فايزة أبو النجا في الفترة من ۱۹۹۹ حتى نهاية ۲۰۰۱ وبعد ترقيتها إلى درجة سفيرة منصب مندوبة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف كما شغلت منصب مندوبة مصر الدائمة لدى منظمة التجارة العالمية ومؤتمر نزع السلاح وكافة المنظمات الدولية الأخرى التي يوجد مقرها في جنيف وفي العاصمة السويسرية برن، وهكذا أصبحت أول امرأة مصرية تشغل هذه المناصب، وخلال الفترة من ۱۹۹۷ – ۱۹۹۹ شغلت منصب نائبة مساعد وزير الخارجية المصرية للعلاقات الأفريقية، حيث لعبت دوراً بارزاً في تحسين العلاقات المصرية في أفريقيا وفي عام ١٩٨٤ وبعد انتهاء مهمتها في نيويورك عادت إلى وزارة الخارجية لتلتحق بالعمل في مكتب وزير الدولة للشئون الخارجية ثم نائب رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية وعندما تم انتخاب الدكتور بطرس غالي أميناً عاماً للأمم المتحدة في يناير ۱۹۹۲ كانت فايزة أبو النجا الوحيدة التي اختارها للعمل معه كمستشارة سياسية خاصة لتصبح أيضاً أول سيدة تشغل هذا المنصب الأممي في تاريخ الأمم المتحدة. وفي عام ۱۹۸۷ انضمت لفريق الدفاع المصري عن طابا برئاسة السفير نبيل العربي، وفي عام ۲۰۱۰ تم انتخابها كعضو مجلس الشعب عن مدينة بورسعيد.
تلك كانت مسيرة حياة هذه السيدة العظيمة وكان أول لقائي معها عندما توليت منصب محافظ الأقصر وأصدر الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء آنذاك قرار بتكوين لجنة لمتابعة تطوير مدينة الأقصر التي بدأت بزيارته للأقصر ومعه ١٣ وزيراً بناء على أوامر السيد الرئيس مبارك حيث عرضت على اللجنة خطة التنمية الشاملة للأقصر لمدة خمسة وعشرين سنة قادمة وبعد أن تمت الموافقة على الخطة ومنذ يومها كنا نجتمع كل أسبوعين في مكتب رئيس الوزراء في القرية الذكية وكانت اللجنة مكونة من الوزيرة فايزة أبو النجا، الوزير فاروق حسنى وزير الثقافة، الوزير أحمد المغربي وزير السياحة والإسكان، ووزير التنمية المحلية عبد السلام المحجوب، وكان يدعى في بعض الأحيان من الوزراء من يلزم وجوده مثل اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية.
ومن هنا بدأنا تنفيذ خطة التطوير وكانت أهم مشكلة لتنفيذ هذه الخطة هي توفير الدعم المالي وكانت في البداية خطة تطوير ساحة الكرنك ويومها بدأت الحيرة من أين يتم التمويل وكان الرد من فايزة أبو النجا أن وزارة التعاون الدولي ستدبر التمويل اللازم وجاء رد رئيس الوزراء ليس من ميزانية الدولة وكان رد فايزة أبو النجا أطمن يا فندم أنا قادرة على توفير التمويل المطلوب من المنح الأوروبية لتنفيذ المشروع إن شاء الله”.
وفي خلال أسبوع كنت في مكتبها في وسط القاهرة اتسلم الشيك لتطوير ساحة معبد الكرنك وبعد عام واحد عندما انتهى المشروع وفاز بجائزة اليونسكو للتطوير سافرت إلى المؤتمر السنوي في البرازيل لليونيسكو لأتسلم الجائزة واتصلت بها وقلت لها لولاكي لما تم هذا المشروع لتطوير ساحة أكبر أثر في العالم كله وهو معبد الكرنك.
وخلال التنفيذ كنت أدعوها لمشاهدة الموقع وكانت ترى أن الأموال التي وفرتها حققت عملاً عظيماً لصالح مصر، وبعدها جاءت المشكلة الأكبر وهو إعادة فتح طريق الكباش وتحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح في العالم.
وكان المبلغ المطلوب تدبيره كبيراً للغاية، حيث أن هناك تعويضات لإزالة ٤٥٠ عمارة تم بنائها فوق طريق الكباش، وبناء مبنى جديد لقسم شرطة الأقصر، الذي كان مقاماً فوق طريق الكباش ونقل أربع مساجد وكنيسة علاوة على تعويضات الزراعة للأهالي التي كانت تزرع الأراضي فوق طريق الكباش ثم عدد من الكباري التي تمر فوق طريق الكباش وتطوير الطريق نفسه والطرق على أجنابه.
كل ذلك كان يتطلب تمويلاً ضخماً ولكن العظيمة العظيمة المرأة الحديدية سافرت وحضرت اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي وعرضت عليهم خطة تطوير الأقصر وحصلت على منحة أوروبية لتمويل الأقصر وتحويلها إلى متحف مفتوح، وعادت إلى مصر وبمجهودها الشخصي وفرت المبلغ المطلوب لذلك أقول بكل صراحة إنه لولا هذه السيدة المصرية حتى النخاع لما نجحت مصر في فتح طريق الكباش وتحويل الأقصر إلى متحف مفتوح وهو ما أدى إلى صدور قرار رئيس الجمهورية بتحويل مدينة الأقصر إلى محافظة الأقصر.
وللأسف عندما احتفلت مصر منذ سنوات قليلة بافتتاح طريق الكباش في احتفال مهيب ورائع لم يذكر اسم أحد من الذين لهم الفضل الحقيقي في هذا الإنجاز التاريخي وأولهم العظيمة فايزة أبو النجا ورئيس الوزراء وغيرهم حتى أنا.
لكن هذه هي الدنيا النجاح له مائة أب والفشل له أب واحد، وامتدت مساعدة الوزيرة فايزة أبو النجا لكل مشروعات تطوير الأقصر ۸۲ مشروع قدمت فيهم الدعم المادي لعدد ٥٠ مشروعاً من بينها تطوير محطة الأقصر والسوق التقليدي والممشى على كورنيش النيل ولعل من أهمها البيت النوبي لأهالي النوبة الموجودين في الأقصر حيث تم بناء مبنى كبير لأهل النوبة، يتم فيه تدريبهم على الحرف اليدوية النوبية، حتى لا تندثر من خلال ورش عمل في الدور الأرضي، أما في الدور الثاني فكان مكان لبيع هذه المنتجات سواء السجاد الكليم المشغولات النوبية حتى رسم التاتو وهو ما يقبل عليه الزائرون الأجانب للمدينة وفي الفناء الخارجي كانت تقدم الوجبات النوبية للسياح في وجبة الغذاء حيث يشاهد السائح كيف يتم إعداد الطعام بما في ذلك إعداد الخبز وكان دخل هذا المركز يخصص لصالح أهالي النوبة في الأقصر.
وكان من أهم مساعدات الوزيرة فايزة أبو النجا بعد تطوير ساحة الكرنك وفتح طريق الكباش هو مشروع نقل سكان القرنة، التي اعتبرت ثاني أكبر عملية نقل للسكان في تاريخ مصر، بعد نقل أهالي النوبة عند بناء السد العالي، حيث تم نقل ٣٢٥٠ أسرة تسكن فوق المقابر الفرعونية في البر الغربي لعدد ٩٥٠ مقبرة فرعونية، وتم بناء قرية حضارية جديدة لهم تتناسب مع أسلوب حياة ومعيشة الأسرة النوبية باسم قرية القرنة الجديدة في احتفال كبير حضره رئيس اليونسكو والوزيرة فايزة أبو النجا والدكتور زاهي حواس في احتفال عالمي ضخم تم نقل هؤلاء السكان وأصبحت منطقة القرنة وآثارها لأول مرة بعدد ۹۵۰ مقبرة فرعونية تحت سيطرة وزارة الثقافة دون أي تواجد للأهالي فوق هذه المقابر وكان مجهودا كبيرا تكلل بالنجاح.
وأذكر في هذا الصدد أن الرئيس الراحل حسنى مبارك اتصل بفايزة أبو النجا وقال لها” أيه يا فايزة كل الفلوس دي اللي بتديها لسمير فرج ولا علشان أنتم بورسعيدية زي بعض” فردت قائلة يا سيادة الرئيس الفلوس لما بتروح لحد شغال وعنده خطة واضحة بينفذها بكفاءة عالية زي سمير فرج بتكون في مكانها وكل جنيه بيتصرف على الأقصر ها يجيب قصاده ۱۰ وأكثر”. وتبقى الحقيقة أنه لولا الدعم المادي من الوزيرة فايزة أبو النجا لما نجحت هذه العملية، لذلك قمت بإطلاق اسم الوزيرة فايزة أبو النجا على أحد الشوارع داخل الأقصر، وكانت المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في الأقصر ويرحب به أهالي الأقصر الذين يقدرون دورها في مدينتهم هي تستحق ذلك لأنه لولا هذه السيدة لما تمت عملية تطوير الأقصر التي حولت الأقصر إلى ما هي عليه الآن.
لذلك وجب على إعطائها حقها لأن ذلك جزء من تاريخ مصر وأن ذلك النجاح الذي تحقق في الأقصر تم بفضل العديد من العظماء وعلى رأسهم فايزة أبو النجا هذه السيدة المصرية العظيمة الوزيرة فايزة أبو النجا المرأة الحديدية المصرية بنت نيل مصر ونبتها.