ارتبط الربيع في الأذهان بكل أشكال البهجة التي تميزه عن باقي فصول العام،وفي هذا المقال نتأمل سويا” بهجة الربيع في طقوس المصريين بين الفن والطبيعة،حيث يتشارك المسلمون والمسيحيون الاحتفال بهذا العيد الذي يكون دائماً يوم الاثنين التالي مباشرة ليوم الأحد الموافق عيد القيامة المجيد”طبقاً للعقيدة المسيحية والتقويم الكنسي الأرثوذكسي”.
ويمارس المصريون خلال احتفال الربيع طقوساً احتفالية وعادات وتقاليد توارثوها منذ أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة عام 2700 قبل الميلاد .
أصل كلمة “شم النسيم”
وكلمة شم النسيم هي تحريف لكلمة “شمو” في اللغة الهيروغليفية القديمة، والتي ارتبطت عند المصريين القدماء بتاريخ خلق الأرض، حيث كان المصريون يعتقدون وقتها أن شم النسيم هو يوم بداية الخلق، وبمرور الوقت تحورت كلمة” شمو” إلى كلمة شم، ثم شم النسيم لارتباط فصل الربيع باعتدال الجو وتفتح الأزهار.
تاريخ “شم النسيم”
تمتد جذور الاحتفال بشم النسيم إلى معتقدات فرعونية وهو احتفال يعتبروه أقدم عيد “غير ديني” في العالم
وكما جاء في البرديات “اقض يومًا سعيدًا، وضع البخور والزيت الفاخر معا من أجل أنفك، وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، بينما زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك. فلتكن الأغاني والرقص أمامك، واطرح الهموم خلفك. لا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يحلّ يوم الرسو في الأرض التي تحب الصمت.”
هكذا جاء وصف يوم شم النسيم عند القدماء المصريين في مقتطف يطلق عليه “أناشيد الضارب على الجنك”، نقلا عن الترجمة الفرنسية التي قدمتها العالمة “كلير لالويت”، أستاذة الأدب المصري القديم بجامعة باريس.
الربيع رمز الخير والحصاد
نجد الشخصية المصرية الحالية هي مزيح من ثقافات مختلفة منها الفرعوني والقبطي واليوناني والروماني، وهذا سر تمسك المصريين دائماً بأعياد القدماء، حيث كان الاحتفال بهذا العيد عند قدماء المصريين يبدأ مع فصل الربيع وجني المحاصيل وما يصاحبها من الفرحة التي تملأ البيوت بالحصاد.
طقوس الإحتفال بـ”شم النسيم” قديما”
كان الاحتفال بشم النسيم يبدأ مع الاعتدال الربيعي في الحادي والعشرين من مارس، أي مع بداية فصل الربيع،
وتخبرنا البرديات بأن قدماء المصريين كانوا يقيمون احتفالاً رسمياً وكبيراً بهذا العيد “بعث الحياة”،
واعتادوا أن يجتمعوا كل عام في هذا اليوم عند الهرم الأكبر لمشاهدة غروب الشمس، وتربعها على قمة الهرم في منظر مهيب يتكرر إلى يومنا هذا.
ونجد ارتباط الاحتفال بتناول بعض الأطعمة سواء في شم النسيم أو غيره وحتى في أفراحهم وأحزانهم إنما يرجع إلى أن تناول الطعام جماعة يزيد الألفة بين الناس وينشر الروح الطيبة بينهم،حيث ان الشخصية المصرية باحثة دائمة عن البهجة والفرحة والمرح ومن ثم تتحين الفرصة بقدوم أي عيد لتحتفل به وتمرح، لافتة إلى تميز الشخصية المصرية بالحميمية والميل إلى مشاركة الآخر.
أكلات شم النسيم
وارتبط شم النسيم منذ عهد الفراعنة ببعض الأطعمة التي كان لها مدلول خاص عند المصريين القدماء، وهي كالتالي:
الفسيخ
يعتبر من أشهر الأكلات المصرية التي تمتد لعهد الفراعنة، أما اليوم فهو يؤكل مع سمك الرنجة المدخن كتقليد ورمز لهذا العيد ولا يُمكن الاستغناء عنه.
والفسيخ عبارة عن السمك البوري الذي يتم تمليحه وحفظه بعناية فائقة، وشاع استخدامه في عهد الأسرة الخامسة كوسيلة لتقديس نهر النيل وعطاياه.
البصل الأخضر
البصل الأخضر معروف بفوائده العظيمة للجسم وقدرته على تقوية جهاز المناعة، فكان يرمز عند قدماء المصريين الي التمسك بالحياة وهزم الأمراض وعدم الاستسلام للموت، وكانوا يعلقونه في الشرفات وحول رقابهم وتحت وسائدهم بالإضافة لأكله.
البيض الملون
يرمز استخدام البيض عند قدماء المصريين لخلق الحياة وانبعاثها مرة اخري، كما ورد في متون كتاب الموتى وأناشيد (اخناتون الفرعوني)،
فكانوا ينقشون أمنياتهم عليه ويجمعونه في سلال من زعف النخيل الأخضر ويتركونه في شرفات المنازل أو يتم تعليق هذه السلال على فروع الأشجار بالحدائق ، لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق دعواتهم ، وقد تطورت هذه النقوش فيما بعد لتصبح لونًا.
ويمكن تلوين البيض بالألوان الطبيعية
بإحضار زهور الكركدية ،البابونينج، الشاي القهوة،الكركم،البنجر ونقعها لمده يوم ثم نحضر البيض المسلوق ونضعه في هذا المنقوع الملون لمدة ٣ ساعات ليكتسب لون طبيعي صحي يبهج الصغار والكبار .
الخس والحمص
كما كان الخس أحد النباتات المقدسة عند المصريين القدماء وكان رمزًا لإله الخصوبة، فكانوا يدعون أن له قدرة على زيادة القدرة الجنسية، وهذا ما تم إثباته بالفعل خاصة زيت الخس لاحتوائه على فيتامين هـ بكثرة، أما الملانة أو نبات الحمص الأخضر، فقد كان دلالة على قدوم فصل الربيع، فامتلاء الثمرة كان يعني أن الربيع قد حل.
الترمس
من اشهر تسالي شم النسيم ويحتوى الترمس على نسبة 30% من البروتين، و34% من الكربوهيدرات مقوى جيد للأعصاب، وهو منبه للقلب ومدر للبول ومفيد للهضم ويخفض للسكر فى الدم وينقى البشرة
كما يحتوي الترمس ايضا على نسبة عالية من الألياف، والتي يمكن أن تساعد في خفض الكوليسترول الضار وزيادة الكوليسترول الجيد.
الحلبة والحرنكش
الحلبة قيل عنها “لو علم الناس بما فيها من فوائد لاشتروها بوزنها ذهباً”، لما تحتوى على زيوت ومواد بروتينية والفسفور ومواد نشوية تماثل فى ذلك زيت كبد الحوت.
واعتاد المصريون على تناول الحلبة المنبتة عن طريق نقعها بالماء ليلة كاملة، ثم وضعها بأكواب ملفوفة بشاش وترش بالماء من حين لآخر حتى تنبت عيدانها.
الحرنكش، يعد من الثمار المهمة للغاية فى محاربة أنيميا نقص الحديد، ويمكن تناول الحرنكش حب أو عن طريق خلطه منزلياً فى عصائر الفواكه، يعتبر أمراً جيداً للصحة العامة، إضافة إلى أن خلطه مع باقى الفواكه يحسن طعمه من ناحية، ويرفع من قيمة العصير الغذائية من ناحية أخرى.
فهذه هي طقوس المصريين في الاحتفال بالربيع واشهر اكلات شم النسيم منذ العصور القديمة و حتي الآن،حيث تجتمع الأسر وتخرج في المتنزهات والحدائق محتفله بهذا اليوم ،ولكن لا يحتفل البشر فقط بالربيع بل تحتفل معه الطبيعة ايضا.
الطبيعة والربيع
كوعده دائما منذ قديم الأزل عند عودة الربيع نجده يختال فى زهو وكبرياء يعزف سيمفونية من الجمال على نغمات الطبيعة التى تسانده بكل إمكانياتها حيث تتداخل الألوان فى تناسق تام يهتز له الوجدان .
رياح الخماسين والربيع
ورغم رياح الربيع الخماسينية التي لها اضرارها المعروفه إلا أنها مهمة جدا في تلقيح النباتات وتطهير الأرض ، حيث تتأثر أشجار النخيل بشكل إيجابي بهذه الرياح، وتحدث عملية التلقيح بشكل جيد، وقد تؤدي الرياح الساخنة في فترة نضج الثمار إلى ارتفاع جودتها.
كما تساهم الرياح في الحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض؛ فعندما يسخن الهواء القريب من سطح الأرض يخف وزنه ويرتفع للأعلى، فيحل محله هواء بارد يخفف من حرارتها، فلولا هذه الحركة لزادت درجة حرارة الأرض سنة بعد سنة لتصبح في الآخر محرقةً لكل ما يقترب منها فتنعدم الحياة عليها.
سُمِّيت رياح الخَماسين بهذا الاسم في مصر وبلاد الشام ؛لأنّها تنشط بعد خمسين يوماً من بدء فصل الرّبيع، أي في شهر نيسان.
الزهور والربيع
وفي الربيع أيضا تتسابق العطور لنشر عطرها فى الحدائق ويلعب الخيال بالأذهان فى نشوة تناسق الألوان التى تلعب بدورها دورا فى زخرفة فستان عرس الربيع،وهنا تتزين الحدائق والمتنزهات بالورود والأزهار البديعة بالغة الروعة والجمال ومن اشهر الورود المبهجة التي تتفتح في فصل الربيع بألوانها العديدة الأحمر ،الأصفر ،البرتقالي والروز نجد عده ازهار تتألق في فصل الربيع منها:- البانسية ،السليفيا،الكاميليا ،حنك السبع او فم السمكة،البيتونيا ،القرنفل ،القطيفةالماريجولد ,البنفسج ،السوسن،مسك الليل وغيرها من الورود والأزهار الجميلة،وجميعها زهور سهلة الرعاية نستطيع أن نقتنيها في شرفات منازلنا لتبعث البهجة في الأنفس وتنعش الأجواء من حولنا..
الفن والربيع
يحتفل الفن أيضا بالربيع فمن اشهر اغاني الربيع”اغنية الدنيا ربيع” للفنانة سعاد حسني كلمات صلاح جاهين..الحان كمال الطويل
الغنوة التي تغنت بها السندريلا ( الدنيا ربيع والجو بديع قفل لي علي كل المواضيع ..قفل قفل قفل قفل..مافيناش كاني ومافيناش ماني …كاني ماني ايه دي الدنيا ربيع..الدنيا ربيع الدنيا ربيع)
فقد تغنت بهذه الكلمات وسط الورود في الحدائق في أداء استعراضي مبهج في فيلم “أميرة حبي انا “انتاج عام 1975،وتعد اغنية “الدنيا ربيع” من أكثر الاغاني الخالدة كأيقونة للربيع تتغني بها مختلف الأجيال علي مر العصور.
كما قدم أيضا فريد الأطرش اغنية “ادي الربيع عاد من تاني” من غنائه والحانه و كلمات مامون الشناوي
( آدي الربيع عاد من تاني، والبدر هلت أنواره..وفين حبيبي اللي رماني من جنة الحب لناره؟)
جاء ذلك في تابلوه استعراضي رائع في فيلم “عفريت هانم”1949 ورقصت فيه الفنانة سامية جمال بخفة ودلال.
واستمر فريد الأطرش يغني هذه الأغنية بعد ذلك في حفلات الربيع من كل عام ..
وهذه الأغاني ارتبطت معنا ببدء فصل الربيع الذي يجمع بين الإعتدال في الطقس ودرجة الحرارة وأيضا يتسم بالبهجة والألوان .
فها نحن نقوم بعمل طقوس أجدادنا في الاحتفال بعيد الربيع وشم النسيم علي أنغام الأغاني وسط الطبيعة الخلابة،مما يمنحنا المشاعر الطيبة والتفاؤل الذي يقوي الإرادة ويسعد النفس ويجدد الطاقة ويعيد النشاط ويزيد التركيز وهي جميعها مقومات للنجاح.
فكل عام وانتم بخير وكل عام وبلادنا في اعياد وفرحة وتلاحم وازدهار ونجاح وتنمية دائما وابدا.