تم اختراعه بأثر رجعي : قصة «صناعة» الشعب اليهودي في ذكرى النكبة
المفكر شلومو زند : القومية اليهودية على أرض فلسطين، لم تكن إلا مشروعا سياسيا استعماريا وأيديولوجيا
قبل زمن النكبة العربية الكبرى في العام 1948 لم يكن هناك توصيف أو مسمى يحمل كلمة (إسرائيل) ولم يكن هناك تجمع سكاني تحت مسمى (الشعب اليهودي)، ولكن بعد ساعات من النكبة وبعد أن صمتت المدافع فوق ربى فلسطين، بدأت التصورات الصهيونية لولادة دولة الاحتلال تحت اسم «إسرائيل»، وهو ليس اصطلاحا جغرافيا، ولكن يستند إلى أوهام الأساطير التوراتية، مستخدما اسم نبي الله يعقوب، والذي كان يعرف أيضا باسم «إسرائيل»، وبنفس رؤية «اختراع الشعب اليهودي»، بحسب تفسير المؤرخ الإسرائيلي «شلومو ساند»، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة تل أبيب، عبر كتابه الأشهر «اختراع الشعب اليهودي» أو «متى وكيف اخترع الشعب اليهودي؟».
وكشف المؤرخ «شلومو زند»، زيف فكرة الشعب اليهودي، والقومية اليهودية، فهو يؤكد أن «الشعب اليهودي آت من الكتاب المقدس، بمعنى أنه شىء خيالي تم اختراعه بأثر رجعي».
أوهام الأساطير
ويقول زند: «أنا مثل بقية الإسرائيليين اعتقدت بأن اليهود كانوا شعبا يعيشون في يهودا، وأن الرومان نفوهم عام 70 ميلادي، ولكن عندما بدأت أنظر إلى الأدلة اكتشفت أن النفي هو أسطورة، حيث لم أجد أي كتاب تاريخي يصف أحداث النفي، وأن فكرة الشعب اليهودي، أو القومية اليهودية، التي بنيت على أساسها الصهيونية، وأنشأت دولة إسرائيل، فهي أسطورة اخترعت منذ نحو قرن واحد».
القومية اليهودية مشروع صهيوني
ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي «شلومو زند» في كتابه، أنه لا وجود لقومية يهودية أو شعب يهودي واحد، يعود في أصوله العرقية والبيولوجية إلى جذور منفردة، كما يزعم الفكر الصهيوني، وإنما هناك الدين اليهودي، الذي ينتسب أتباعه إلى قوميات وإثنيات وجغرافيات متعددة، وأن القومية اليهودية مشروع صهيوني، تطورت بذوره في القرن الـ 19، متأثرا بالقومية الألمانية، وتجذر عصر القوميات في أوروبا، حيث قام الصهاينة باستنساخ التجربة، بخلق واختراع قومية يهودية، ليست موجودة سواء من الناحية التاريخية أو العلمية، فقد اعتبر اليهود أنفسهم شعبا لمجرد اشتراكهم في ديانة واحدة، ثم شرعوا في خلق تاريخ قومي لهم، باختراع فكرة الشتات والعودة إلى أرض الميعاد.
«تزوير» التاريخ التوراتي
وأوضح المؤرخ الإسرائيلي، أن فكرة الإختراع الصهيوني للشعب اليهودي، قامت على ركنين أساسيين، ينتميان إلى التاريخ التوراتي غير الدقيق:
- الركن الأول هو فكرة الشتات اليهودي.
- والركن الثاني فهو كون الدين اليهودي لم يكن دينا تبشيريا، يل ظل محصورا بالجماعة الإثينية التي حملته واعتنقته في بداياته.
ومما يعني بحسب الإدعاء الصهيوني أن الشتات الذي طرد من فلسطين وبقى على قيد الحياة، يعود في جذوره إلى القبائل اليهودية الأصلية التي هجّرت من فلسطين، وأن اليهودية لم تدخلها أجناس أخرى أثرت على نقاء العرق اليهودي، وهو الأمر الذي يتنافى تماما مع حقيقة أن اليهودية لم تختلف عن غيرها من الديانات في نزوعها نحو التبشير، وإقناع أفراد وقبائل وشعوب أخرى بالدين الجديد.
ويقول المؤرخ «شلومو»: «لقد ولدت دولة إسرائيل بفعل اغتصاب للمواطنين الأصليين عام 1948 وأن القومية اليهودية المختلفة على أرض فلسطين، لم تكن إلا مشروعا سياسيا استعماريا وأيديولوجيا، وأطروحاته يجب أن ترى من منظار الأيديولوجيا، وليس التاريخ !!»
الصهيونية تعلقت بأذيال الموجة الاستعمارية لتركبها
وتحليل المؤرخ الإسرائيلي، شلومو ساند يجد تفسيرا تاريخيا لدى فيلسوف الجغرافيا السياسية، العالم الجليل الراحل دكتور جمال حمدان، في كتابه «إستراتيجية الاستعمار والتحرير»، موضحا تزامن بدايات الحركة الصهيونية مع آخر موجة كبرى من موجات الإستعمار الأوروبي الحديث ـ في القرن التاسع عشر ـ ثم تزامن تحقيق أهدافها مع نهايات عصر الإستعمار بوجه عام.. فلقد تعلقت الصهيونية بأذيال الموجة الاستعمارية لتركبها، ولتستثمر المناخ السياسي الاستعماري العام، وصولا إلى تنفيذ مخططاتها الخاصة بإنشاء الدولة اليهودية.
تشكيل الكيان الإسرائيلي على مرحلتين: التغلغل ثم الغزو
وأضاف المؤرخ الإسرائيلي، شلومو ساند أنه تم تشكيل الكيان الإسرائيلي على مرحلتين: التغلغل ثم الغزو، وبعد عدة موجات من التسلل والتسرب المبعثر حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى، فتح الإنتداب البريطاني الباب للهجرة إلى الوطن القومي ليبدأ تغلغل حقيقي خلق جسما خطيرا من أقلية يهودية، وانتزاع موطىء قدم بسياسة شراء الأرض المخطط لها من قبل، وبهذا وذاك تكونت نواة المجتمع اليهودي في فلسطين، وخلق دولة داخل الدولة !!
لقاء تاريخي بين الإمبريالية العالمية والصهيونية
وكان من المستحيل منذ البداية أن يتحقق حلم الصهيونية إلا بالمساعدة الكاملة من قوى السيادة العالمية، ومن هنا التقت الإمبريالية العالمية مع الصهيونية لقاءا تاريخيا على طريق واحد هو طريق المصلحة الاستعمارية المتبادلة، وعلى هذا الطريق تحرك إرتباط الصهيونية بهذه القوى حسب تحرك مركز الثقل في زعامة الإمبريالية، فكانت بريطانيا هي التي خلقت «الوطن القومي » منذ الحرب العالمية الأولى، بينما خلقت الولايات المتحدة «الدولة اليهودية» منذ الحرب العالمية الثانية !!
قوة جيش الاحتلال ترسم حدود الدولة !
وهكذا تم الإعلان عن أول سابقة في العالم، بمولد دولة بلا حدود أو ترسيم جغرافي لسلطاتها ونفوذها، بعقيدة أن الدولة تتمدد باستمرار مع مدى ما تصل إليه قوة جيشها !!.
ويقول المفكر الفرنسي «رجاء جارودي» في كتابه «فلسطين أرض الرسالات السماوية» إن السمتين الرئيسيتين للسياسة الإسرائيلية هما: العنصرية والتوسع.. وأن المبدأ الأساسي الذي يربط إحداهما بالآخر، قد صاغه بكل وضوح «تيودور هرتزل»، والذي كتب يوم 8 أكتوبر/ تشرين أول 1898: سألني الأمير «هو هنلوه » مستشار الإمبراطورية الألمانية، عن الأراضي التي ننوي الحصول عليها، هل ستكون إلى الشمال حتى بيروت، أم أبعد من ذلك ؟ قلت له: سوف نطلب ما نحتاج إليه، وكلما زاد المهاجرون يجب أن تزيد الأرض!!