استيقظ سكان المدينة القديمة على قرار ملزِم، نُشر بجريدة الدولة الرسمية، اتَّسعت العيون، وجحظت مستنكِرة، وَرَدَ بالمنشور حتمية حفْر قبْو لكل فرْدٍ يخطو فوق هذه الأرض، ويلتزم كل شخص بتحديد مكان قبوه، وتخطيطه الهندسي ومساحته، لم يكتفوا بهذا، بل وإثبات عدد درجاته، وقياس امتدادها لأسفل، وتعداد محتويات القبو ووصْفها، وأن تُرفع هذه البيانات للجهات المختَصَّة، ومَن لم يلتزم بالتنفيذ، وتقديم البيانات؛ سيتعرَّض لعقوبات ينظِّمها القانون.
شرَع الكثيرون يحفرون في أقبيتهم مستاءين؛ خوفًا من العقوبات. وتساءل البعض: لماذا قبو لكل فرد، وليس لكل بيت أو أُسرة؟ لكنهم لم يجدوا مَن يُجيبهم كعادة قيادات الدولة القديمة.
تهرَّب البعض من الحفْر، أو الالتزام بالقرار، وانتظَروا مَا ستتكشَّف عنه الأيام، تساءلوا: ترى ما عقوبة مَن لم يلتزم بتنفيذ هذا الأمر العجيب؟
بعد مرور الأشهر الخمسة، المدة التي حددتها السُّلطة للتنفيذ، بدأت لجنان الجَرْد في تقصِّي الأقبية، ورصْد محتوياتها. يحكي المراقبون إنه منذ نزولهم على الأدراج؛ وجدوا العجب العجاب، ذكروا إن لكل قبوٍ فرادةً لا تشاكِل قبوًا آخَرَ، لكلٍّ رائحته، بعضها زكي ومنعِش، والأكثر منفِّر وعفِن، بعضها مضيء، والأكثر معتم. الأهم والأكثر خطورة؛ أنهم وجدوا كميَّاتٍ بلا حصر من الأسلحة، مدافع رشاشة حديثة، آر بي جي، قنابل يدوية. كانوا كلَّما توغَّلوا في سراديب كل فرد؛ اندهشوا من حجم الأسلحة المدجَّجة، المخزنة والموجهة في وضْع الإطلاق المباشر. وصَف رئيس اللجان الحالة بقوله: “اكتشفنا قدْرًا من أسلحة الدمار الشامل، والتي تفوق قُدرة أعتى الجيوش المصنَّفة عالميًّا. أضاف: ” وجدنا في عدد من الأقبية – التي تجاوزت أصابع اليدين – قنابلَ نوويَّة، هذا عدا عِدة آلاف من أسلحة الكيماوي، التي بإمكانها أن تبيد مُدنًا بكاملها”. كما شاهدنا في جُلِّ الأقبية أعضاء تناسلية مبتورة، بعضها ينزف والأكثر قد تيبس، وأثداء نساء بلا حصر، مقطوعة ومُلقاة.”
تعجَّبت إحدى الموظفات، ضمن اللجان الراصدة؛ دوَّنت: إنه في بعض الأقبية المحدودة للغاية، هالها حجم الأزهار، التي نبتت بين الأحجار، والنباتات التي شغلت مساحة القبو بكامله، ذَكَرَ آخَرُ: إنه وجد بحرًا وطيورًا وزرافاتٍ، وقال أحدهم: إنه رصَد نهرًا وقواربَ وأسماكًا. كما جاء في التقرير، قول المراقبين: في معظم ما دخلنا؛ وجدنا صورًا ذاتية كثيرة، لكل صاحب سرداب، بعضها معلَّق على الجدران، والآخَر ملقًى على الأرض، تكسوه الأتربة. المدهش أن أكثر الصور ناطقة، حيث تتحرك الملامحُ وتنبعج الشفتان؛ تتضخَّمان دون صوت، بعض الوجوه تخرج عن إطار الصورة، وتمضغه.
بعد خمسة أشهر تالية، كان قد تم ضبْط الذين رفضوا أن يحفروا أقبيتهم، ونُفِّذت فيهم أحكام القضاء، بعضهم تولَّى بعض المناصب الحساسة، وآخَرون تم قذفهم في بعض البراكيين اليقظة. المذهِل في الأمر؛ التوصيات التي ذَكَرها مجموعة الباحثين في عِلم النفس والاجتماع، فبعد أن أحيلت لهم نتائج الرصد. وَرَدَ في تقريرهم: “ننصح بأخْذ شريحة عرضية عميقة من أرض الدولة، تبعد عن السطح بعشرة أمتار على الأقل؛ حيث ستُصبح تلك العينة محلَّ دراسات موسَّعة.” كما وَرَد في التقرير تساؤل مهم اجتمع عليه الباحثين: “كيف لهذا الكائن البشري أن يكون بعضًا من روح الله؟” قالوا أيضا: “علينا أن نعيد تحديد ماهية أنفسنا، ما الإنسان!؟”
في دولة أخرى بعيدة عن الأولى القديمة، طفا على سطح النهر – الذي يتوسطها – مجموعاتٌ من الثعابين والعقارب القاتلة، أفاعٍ وسموم بلا حصر. حين استطلع الناس الأمر؛ وجدوا أن قرارًا مشابهًا – لِما نُشر بالجريدة الرسمية في المدينة القديمة – كانوا قد أصدروه هنا منذ ما يقترب من سنة ونصف، يقول الراصدون إنهم لم يجدوا أية نباتات أو طيور وزرافات.