دكتور أماني فؤاد تكتب..حيوان مدجن يمتلكه الرجل..!!
جاءتني إحدى طالباتي بالمعهد العالي للفنون المسرحية تحكي: أنها بمجرد جلوسها بالسيارة بجوار خطيبها ــ الذي تحبه ويحبها ــ هوت يداه على ركبتها بضربة قوية، بُهتت أكثر من شعورها بالألم المزدوج الذي استمر معها لساعات طويلة وأيام، فلقد ظلت تنظر لآثار علامات أصابعه مرسومة محتقنة على رجلها في ذهول. لم تكن تعرف ما السبب وراء هذا التصرف حتى أنها لوهلة ظنت أنه يمزح. وتساءلت كيف يتعامل معها على هذا النحو، وما المبرر لهذا العنف؟ عرفت منه لاحقا ــ بعد أن خفتت ثورته ــ أنّ أحد الحضور في الاحتفالية اقترب منها وهم يلتقطون بعض الصور وهو معها. تقسم أنّها لم تلحظ هذا الفعل ولا هذا الرجل، أي أنّ الحدث بالنسبة إليها عارض وغير ذي اهتمام. استدعت ذاكرتي هذه الواقعة حين انتشر على الفيسبوك لقطة لرجل وامرأة بسيطة ترتدي خماراً وتجلس بجواره على مقعد في قطار، في المشهد تهمُّ المرأة تشير بيدها لتقول شيئا فإذا بكف زوجها الغليظة تنهال بضربة قوية على رأسها أمام الجميع فتصُعق المرأة لكنّها تصمت في خوف، تُحرك يدها تجاهه في حرج تلبسها لاتقاء ضربات يمكن أن تتوالى، وتعيد إخفاء شعرها مرتبكة، كما تحاول أن تخفي دموعها التي انسابت رغماً عنها على كرامتها وهوانها إلى هذا الحد.
عند التقاط مثل هذه المشاهد مع غيرها الكثير نتساءل: كيف يتناول الرجل المرأة في الثقافة العربية مهما تفاوتت ثقافته وطبقته؟ يبدو الأمر كأنّها لا تعدو حيواناً مدجناً يمتلكه، يضربه عقاباً، أو يعنفه حين يخرج عن الدائرة التي حددها له مسبقاً، مع ملاحظة أنّ الدائرة تتحدد بحسب ذهنية الرجل، فلو أنّه قرر ألا تعمل أو تدرس أو تسافر أو تكتب فالواجب طاعته، كما يستبيح لنفسه أن يهينها مادياً ومعنوياً، كأنّها لا ترتقي لأن تنفصل إرادتها عن مشيئته، كما لا تمتلك حق تفسير ما قد يلتبس عليه، وتراه هي من وجهة نظر أخرى، فهي تابع، تُضرب أولاً كي ترتدع، ولئلا تسول لها نفسها أن تخرج عن أوامره مرة أخرى، كما لا يدرك أن عليه أن يسمعها، ويصدق ويحترم ما تقوله ومنطقها.
تستقر بذهنية الرجل سيادته وقوامته التي تهبه الحق اجتماعيا ودينيا في أن يمارس
وصايته عليها حد إهانتها التي قد تصل لضربها مهما بلغت ثقافتها وعلمها وطبقتها.
أن يُفرغ فيها غضبه، إخفاقاته، قهره من البيئة المحيطة به سياسيا أو اقتصاديا، غيرته التي كثيراً ما تعبر عن أوجه نقص في ثقته في ذاته، أو تصوره التقليدي للمرأة التي يصورونها حية تتلون، أكاذيب توارثها من ثقافة لا تطور من معطياتها بحسب مستجدات العصر، وما وصلت له النساء من كيانات متكاملة، فالمرأة لم تعد في حاجة لأي التواء ولا تلون لو أعطيت مساحات الحرية والمعرفة.
كيف تصمت النساء، بل تمرر كثيراً ما يجرح كرامتها وتتعايش بدعوى التعقل، والحرص على عدم خراب البيوت، ترضخ تحت ادعاء أنه لا كرامة بين الرجل وزوجته أو حبيبته، تتحرج من المواجهات بمرجعية أنها ابنة الأصول التي يجب أن تتغاضى عن هذا التجاوز الفادح في حقها، ترضى تحت تلذذ بعضهن أحيانا بأنّ تلك القسوة نوع من الرجولة الحيوانية الجاذبة، والصمت كثيرا تحت عوزها الاقتصادي؟
كيف نصمت تجاه تدجين النساء في مجتمعاتنا حتى تسلب منهم كرامتهن وحقوقهن، ويرتضين صاغرات أو مغيبات الوعي هذا الإهدار لإنسانيتهن؟ متى تقفن أيتها النساء في وجه هذا الظلم متكتلات، تطالبن بقوانين صارمة مفعلة، تعاقب أي رجل تسوّل له نفسه النيل من كرامتكن، متى تدركن أنّ الخطاب الموجه لَكُن كان دائما صنيعة ووضع أنانية الرجال، تحت إعداد وإخراج ثقافة تسيد فيها الرجل، وأن الحلول ينبغي أن تأتي من كفاح النساء ذواتهن، فمن الصعوبة بمكان أن يتخلى معظم الرجال بمحض إرادتهم عن مكتسباتهم وسيطرتهم فيها.
كيف يتغاضى الضمير الجمعي للمجتمع عن الوعي بالتطور الإنساني تجاه هذه المظاهر التي تتكرر بأشكال مختلفة، وفيها يعتقد الرجل أن من حقه أن يمارس سلطته على النساء بالضرب أو التعنيف والإهانة، كل هذا لأوهام تجذرت بوعيه لا تتحمل المرأة وزرها؟