دكتور أماني فؤاد تكتب..في نقد المجتمع ونخبه
حين تدور المناقشات بين مجموعة من المتخصصين في مختلف القضايا في المؤتمرات والجلسات البحثية يشعر المراقب بالحسرة، ويتساءل لماذا بالرغم من وجود كل هذه العقول، والأفكار المتاحة التي تنتجها لا نشعر بمردود هذا المنجز الفكري على مستوى الواقع الحياتي للجموع؟ وأحسب بعد مشاركات كثيرة واطلاع على كثير مما تشهده هذه الأجواء أن الأزمة تكمن في الشخصنة الشديدة التي تحكم أبطال المشهد العام في المجالات كافة الذين يفترض فيهم رسم استراتيجيات العمل وآلياته، فإما “أنا” “الفرد الذي يمسك بالميكرفون”، و”أنا” فقط من يجب أن يتصدر المشهد ليعدد إنجازاته ويحكي عن تجربته ويستعرض معلوماته، أو لينهار المعبد على كل من يستظلون به. كما تظهر رغبة كل شخص بإلحاح في أن يثبت أنه فقط من يمتلك الصواب ومقولاته هي الأهم، والجميع ممن عداه غير مؤهلين للرؤية ولا الفعل، كما يحرص كل منهم على مكاسبه الشخصية ولا يطيق المساس بها حتى لو تعارضت مع مكاسب الوطن الكبير وهو ما يشير إلى الأنانية والذاتية المفرطة واستبعاد المصلحة العامة. ومن ثم تَظهر العداءات المبطنة أو المعلنة بين تلك المجموعات التي تفسد كل المساعي المرجوه. فريق آخر من الحضور يعلم الحقائق الجوهرية لموضوع المناقشة وطرق المواجهة والحلول الناجعة، ومن الذي يستطيع الفعل والإنجاز لو أردنا نتائج حقيقية، وكيف يمكن أن تتم، لكنه لا يفضل المواجهة لئلا يختلق المشاكل مع الحضور الذين تربطه بهم بعض المصالح أو الصلات التي تصل للصداقة. كما أن عددا لا بأس به من المشاركين سوداوي النظرة، غير واثق من أية إنجازات يمكن أن تتم فيتحدث دائما بما يعرقل الأمور ويبث في النفوس اليأس والشك من تحقيق أي هدف، حيث إنه نتاج عقود طويلة من خيبة الأحلام والوعود الكبيرة التي لم تتحقق. كما أن لدى الأكثرية عيبا جوهريا يعوق تقدمنا يتمثل في انهيار منظومة الإدارة والتنسيق بين المؤسسات والمجموعات ومن ثم القدرة على العمل الجماعي، ويتناسى الجميع أن هناك مصلحة وطنية عامة إن توجهنا لرفعة شأنها جميعا لتطورت وعلت، وارتفع شأن الأفراد معها.
في تلك المجالس ينظر عادة لمشاركة النساء كنوع من استكمال عناصر المشهد؛ لتجنب المساءلة والاتهام بتجاهلها، وهو استكمال شكلي حيث تُمثل المرأة بنسب ضعيفة للغاية ولا يتوقعون منها في الغالب إضافة حقيقية، ولذا تهمش مشاركتها اعتمادا على موروث ثقافي داخل المنظومة الثقافية الذكورية يتلخص في أن المرأة وخاصة الجميلة لن تضيف جديدا، ويطنطنون بأنها غير قادرة على مواجهة المواقف الصعبة في نظرة تقليدية تاريخية من جانب الطرف المهيمن على أية مجالات وأنشطة. بل يسعى بعض الرجال حين مشاركة المرأة في بعض المجالات إلى جذب هذا العنصر النسائي وعده الحلية التي بها يستكمل عناصر رجولته ــ فيما يعتقد ويتصور مجتمع الرجال ــ فلابد لمعظمهم وخاصة الذين في مواقع مميزة من امرأة تدور في محيطهم، حيث ملك الغابة الذي فاز بالمحظية التي يتصور أنها ستسعد باقترابها منه. وتبدأ سلسلة من التحرشات الممنهجة التي سئمت النساء من لزوجتها. كفى البعض عتها وعدم وعي بكيان المرأة القادرة على الفعل والإنجاز واختيار ما يروقها، المرأة غير الملتفتة لهذه المتحفيات التاريخية التي وجدتم أباءكم وجدودكم عليها.
كما تتسبب القوانين الجامدة الموضوعة منذ سنوات، في عرقلة كثير من المساعي الراغبة في تطوير وإصلاح كثير من المؤسسات الحكومية وعرقلة العمل والأنشطة حيث يضع الاقتراب من أي موظف ــ ولو كان توصيفه الأسوأ بين موظفي أي موقع أو مؤسسة حكومية ــ المسؤول تحت المخالفة للقوانين ومخالف للمواد الدستورية، فالموظف في القوانين المصرية يمتلك حصانة ضمنية من أن يجرؤ أحد على إنهاء عمله مثل المادة 27، 28، 69. الثورات الحقيقية هي التي تتمكن من تعديل ثقافة الشعوب والمجتمعات والنخب لتجعلهم أكثر فاعلية ولديهم القدرة على نقد ذواتهم كما القدرة على الفعل.