دكتور العشماوي عبدالكريم أحمد يكتب......نوامة (قصة قصيرة)
( من لم ينام عليها في الصيف لم يعش الحياة فهي التي تعطي خبرة الحياة بدون دروس)
ياه ليال توزن بالذهب
نوامة
بناء ضخم كان في فنه وروعته وجماله الفني بالنسبة له الهرم الاكبر الذي لم يراه، كان بناء جامع للحياة والنوم صيفا أو شتاء كان يتسع في ضمات يديه حتي للحيوانات والطيور في ركنه الغربي أسفل النوامة ، النوامة كانت كلمة ذات مدلول حي له أرجل ويدان ورأس ناظر للسماء، في ليل أو نهار تحوي موروث القديم، تربط الصبي بأرواح أصحابها الفانية التي رقدت نفس مكان نومه، تحكي وتسرد وهي شاخصة للنجوم تراقب حركاتها كأنه مرصد فلكي، كان مكان تجري الدماء في عروقه ينبض بالحيوية، جامد القلب قوي يحتوي ما بأسفله حيونات، في جزء منه مغلقاً عليها قلبه الخشبي القديم المتهالك المشدود عليه قطعة خشبية صلبة مربوطة في قطعة قماشية خشنة لتثبيته، كان الأطفال يساعدونه في إحكام القفل علي أحد أجزاء جسده المعتل المجاور للحجرة الشرقية، بينهم حجاب حاجز من طين أخذ من القوة قسوتها وخشونتها، كانت ملاذا لنوم الاطفال في جو شديد الحرارة مع أشد أوقات الشتاء قسوة، كانت لوحة فنية ترسمها شبكات عنكبوتية دقيقة في صنعها كل عينين تراها حسب إحساسها في صور مختلفة، وبحسب شدة إضاءة اللمبة الفتيل الممسكة بيديها في الجدار البحري للغرفة في منتصفه وقد لونت سقف الحجرة بلون أسود سميك وجميل من شدة السناج الخارج لأعلى، مصطدما بالسقف وجزء لم يستطع مقاومة لأعلي فالتصق بجانب اللمبة او حول فوهتها او إحتضن أنف اللمبة العليا التي تنفخ السناج الذي يتخله بصيص من نور حتي أصبح الأنف مزكوماً من كثرة ما تراكم عليه ، كان إسمه جميلاً (بلبله) قطعة حديدية صدأة قديمة تم تشكيلها فرأها الطفل كأنها فؤاد لمبته القديمة يخرج منها قطعة قماشية بالية ملفوفة حول نفسها يخرج منها لأعلي جزء متفحم مندي يالغاز الابيض، كأنه رأس ثعبان أسود الرأس، يصبح أحمر اللون إذا أراد أن ينير الحياة ويتدلى باقي جسده في زجاجة الدواء التي أعيد تأهيلها، كل شئ قابل للإستخدام قابل للإحياء ،كأنك تري ثعبان محفوظاً في فورمالين في متحف تاريخ طبيعي، نعم كان متحف للأحياء نري شقوق رسمتها الطبيعة والحياة تجسد فيها المعنوي والمحسوس ليكون تصوير جداري فسفوري تراه حسب ما تريد إذا حركت عيناك أو حركت رأسك أو جسدك أو إذا حاولت التدقيق ترى رسوماً ثلاثية الأبعاد منها الغائر والبارز الحقيقأي و حسب التخيل أو بحسب صنع الظلال من نور وإظلام ،في ظل مقبرة الحياة لا ينام الطفل وهو ينظر في أدغاله التي رسمها بعيناه مفعلاً خياله في أسقف الحجرة السفلية بالنوامة وفي جدرانها و في الملابس القديمة التي تراكم عليها تراب وسناج وأشياء من حشرات صغيرة حسب فصول السنة تذهب وتأتي لتجد مسكنها كما هو ولم ترضي غيره بديلاً كأنها ورثته بإعلام وراثه رسمي من محكمة شرعية، بوضع اليد المكسب للملكية لقدمه بقدم تلك الملابس التي ذهب أصحابها ليموتوا ليفسحوا مجالاً لأبناءهم كي يناموا في النوامة.
دكتور العشماوي عبدالكريم أحمد يكتب……نوامة (قصة قصيرة)