دكتور جمال زهران يكتب..انقلاب”.. النيجر.. مشروع للتغيير ضد الاستعمار الغربي
قبل أن ينتهي شهر يوليو (تموز) بعدة أيام، تفجر الانقلاب العسكري في النيجر، ذات المساحة الكبيرة، التي تعادل مصر، مرة ونصف، وأقل من مساحة ليبيا المجاورة لها في الشمال، وذلك في يوم 27 يوليو 2023م، وأعلن الحرس الجمهوري رسميًا، حدوث الانقلاب على الرئيس/ محمد مأزوم، واعتقاله، ومعه عدد من الوزراء والمسئولين، بعد أن ضاقت بهم السبل في حدوث التغيير المنشود، على يد هذا الرجل. وما إن تم الإعلان عن الانقلاب، حتى أعلنت القيادة العامة للجيش، تأييد الانقلاب ودعمه، وفورًا. وتكون المجلس العسكري الأعلى لقيادة البلاد بزعامة السيد/ عبد الرحمن الذي قاد الانقلاب أصلاً. ثم تداعت الأحداث داخليًا، وإقليميًا ودوليًا.
فعلى المستوى الداخلي: يلاحظ الالتفاف الشعبي حول قادة الانقلاب، وعدم وجود تحركات شعبية داعمة لرئيس البلاد المعزول (محمد مأزوم)، كما يلاحظ التأييد الكامل من القوات المسلحة كلها لقادة الانقلاب ودعمه، وقبول تنصيب القائد العسكري للانقلاب/ عبد الرحمن، رئيسًا مؤقتًا ورئيسًا للمجلس القائد العسكري الحاكم للبلاد. كما لم يلاحظ أي تحركات مضادة شعبيًا أو عسكريًا، للانقلاب وقادته، الأمر الذي يشير إلى أن الجبهة الداخلية، متماسكة وداعمة لهذا الانقلاب الذي يحظى بقبول شعبي وعسكري كامل. بل أن قيادة الانقلاب أعلنت عن توجهاتها بشكل واضح، وتتركز في: إنهاء المعاهدة العسكرية مع فرنسا، ومطالبة فرنسا بسحب قواتها الموجودة داخل أراضي النيجر، والتي يبلغ عددها (1500) جندي، وسحب رعاياها، وهو الأمر الذي بدأت فرنسا في تنفيذه، وبتراخي شديد، إلا أن السلطة طالبتها بسرعة تنفيذ ذلك، على طريق التحرر الكامل من الاستعمار الفرنسي، وامتدادًا لما حدث في مالي وبوركينا فاسو. فضلاً عن وقف التعامل التجاري بشأن تصدير الموارد المعدنية، ملك الشعب في النيجر، ووقف العمل بالاتفاقات التي تستغل موارد الشعب، من دهب ويورانيوم…الخ.
ورفع الانقلاب شعار: “موارد النيجر ملك لشعبها”. بالإضافة إلى إعمال وتحقيق آمال الشعب في النيجر، في العدالة الاجتماعية، ومواجهة حاسمة مع الفساد، فضلاً عن دعم القوات المسلحة في البلاد، للاعتماد على نفسها في الدفاع عن حدود البلاد، وحماية الشعب من أي عدوان عليها من أي طرف إقليمي.
ولذلك، اتخذ قائد الانقلاب مع مجلسه العسكري، عدة قرارات في إطار مسارين هما: الأول: رفض أي تدخلات عسكرية خارجية في البلاد، وعدم الانصياع لأية تهديدات إقليمية ودولية للرجوع عن الانقلاب، وعزل الرئيس محمد مأزوم، بالإفراج عنه وعودة الحياة إلى مجاريها قبل الانقلاب، وكان التصريح الحاسم، لقد أصبح عزل الرئيس من الماضي، وأن الحاضر هو استمرار الانقلاب ومشروعه التحرري الاستقلالي، لدرجة التهديد بإعدام الرئيس المعزول وأسرته في حالة أي تدخل عسكري.
أما المسار الثاني: الاستمرار في استكمال مقومات الدولة الجديدة في النيجر، بعد عزل الرئيس مأزوم، وذلك بتشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد/ زين، ومكونة من (21) وزيرًا، للبدء في مشروع إعادة بناء الدولة، في إطار أهداف الانقلاب، فضلاً عن المضي قدمًا في إعداد الدولة للحياة المدنية العادية والطبيعية.
على المستوى الإقليمي: لوحظ أن الاتحاد الأفريقي اتخذ قرارًا عاجلاً، في إطار المبدأ الذي يأخذ به وهو رفض الانقلابات العسكرية، بأن جمد عضوية النيجر، وأعطاها مهلة لمدة أسبوعين (15 يومًا)، لعودة الرئيس المعزول، وعودة الحياة الدستورية مرة أخرى، وإنهاء الانقلاب!! وكان رد الفعل العاجل من قادة الانقلاب، رفض ذلك التهديد واعتبار أن هذا تدخلاً في شأن داخلي. ثم أعقب ذلك تحركًا من منظمة (أكواس)، وهي منظمة اقتصادية تشمل دول غرب أفريقيا، وترأسها حاليًا دولة نيجيريا في الغرب الأفريقي، لتعلن رفض الانقلاب، وإعطاء مهلة أسبوع واحد للرجوع إلى ما قبل الانقلاب مع الإفراج عن الرئيس المعزول، والتهديد بالتدخل العسكري بعد انقضاء المدة المحددة، لإنهاء الانقلاب تمامًا!! وكان رد فعل قادة الانقلاب رفض هذه التهديد، والمهلة المحددة، والاستمرار في خطوات الانقلاب تنفيذًا لمشروعه، والتهديد أيضًا باغتيال الرئيس المعزول وأسرته حال التدخل العسكري.
إلا أن ردود الفعل الإقليمية وتطورات الأحداث، أعطى قوة كبرى لقادة الانقلاب. فقد أصدرت كل من دولتي مالي وبوركينا فاسو، بيانًا، رفضا فيه أي اعتداءات عسكرية على النيجر، وأن حال وقوع ذلك فإنهما سيتدخلان لصالح النيجر، لدعمها. والمعروف أن مالي شهدت انقلابا في 2021م، ونجح، وأعقبه انقلابا في بوركينا فاسو في 2022م، ونجح، والآن جاء الدور على النيجر في انقلاب ثالث (يوليو 2023م)، والمؤكد أنه سينجح، امتدادًا لدولتي مالي وبوركينا فاسو، اللتان معًا لن تسمحا بإفشال انقلاب النيجر، كامتداد لهما، وهم دول متجاورة، وسينعكس عليهما بالسلب، حال فشل انقلاب النيجر.
يل أن دول تشاد والجزائر وليبيا، وهي الدول الثلاث المجاورة للنيجر، رفضوا أي تدخل عسكري في النيجر. فضلاً عن اجتماع برلمان نيجيريا (رئيس الـ (أكواس)، بإعلان رفض التدخل العسكري في النيجر، الأمر الذي أسهم في إضعاف موقف الرئيس النيجري، وقرار الـ “الأكواس” بتهديد النيجر، لدرجة أن مهلة الأسبوع قد مرت دون حدوث التدخل العسكري الذي وعدت به المنظمة!!
واتسم موقف قادة الانقلاب، بالثبات والثقة، وقراءة الواقع الإقليمي، والداخلي والدولي، بوعي ونضج، الأمر الذي يسهم إقليميًا في نجاح الانقلاب والاستمرار في مشروعه التحرري والاستقلالي عن الاستعمار الفرنسي.
على المستوى الدولي: فإن الصراع أصبح واضحًا بين روسيا وأمريكا، للحفاظ على منطقة نفوذ جديدة في أفريقيا، ومعهما الصين، بالتأكيد. وقد لوحظ تردد أمريكا في حسم موقفها المتذبذب إزاء الانقلاب، رغم أن روسيا كانت حاسمة في تأييد الانقلاب ودعمه، وجاري الاستعداد لإرسال قوات فاجنر لدعم الانقلاب، بناءً على طلب قادة النيجر الجدد، ضد فرنسا التي تحتاج إلى تأديب، بعد موقفها السيئ تجاه روسيا، في أزمة أوكرانيا.
وخلاصة القول: أن انقلاب النيجر، هو امتداد لحركة التحرر والاستقلال الجديدة في السنوات الثلاث الأخيرة، كما سبق أن حدث في مالي وبوركينا فاسو، ضد الاستعمار الفرنسي، وأصبح مصيرهم مشترك، فضلاً عما ظهر من دعم دول الجوار في تشاد والجزائر وليبيا، وهو تطور خطير، سيقود إلى الإشارة إلى تكرار الانقلاب في عدة دول أفريقية أخرى، والمرشحة الأولى له (نيجيريا).
الأمر الذي سيسهم في إضعاف وربما تفكك منظمة “اكواس”، وهي منظمة اقتصادية، ولكنها مارست عملاً عسكريًا، غير منصوص عليه، وكذلك إضعاف الاتحاد الأفريقي نفسه، بإبطال فكرة تعليق عضوية الدول الأفريقية التي تشهد انقلابات عسكرية. ومن ثم فإن انقلاب النيجر في سبيله إلى النجاح، استنادًا إلى قراءة تحليلية في البيئة الداخلية التي تجتمع على دعم الانقلاب، الذي يذكرنا بثورة 23 يوليو 1952م، في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، الذي أسهمت في خلق أفريقيا الحرة الجديدة، والذي أتى لاستكمال التحرر والاستقلال لأفريقيا من الاستعمار الغربي.
د. جمال زهـران