دكتور رانيا شارود تكتب..نفيسة العلم
السيدة نفيسة رضى الله عنها بركة مصر و المصريين هى نفيسة العلم و هى بنت الحسن الانور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب و لدت يوم ١١ ربيع الأول 145 هـ فى مكة المكرمة و توفت فى رمضان 208 ه بالقاهرة و تزامن ميلادها بنفس شهر ميلاد جدها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ولدت بشهر ربيع وتوفيت بنفس عمر رحيله تقريبا و لها فى قلوبنا المصريين مكانة خاصة وكيف لاتكون لها هذه المكانة وهى نفيسة العلم والمعرفة و دفنت فى مصر بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والدتها أم سلمى الملقبة بأم ولد لكونها لاتنجب إلا الذكور فقد جاءت السيدة نفسية بعد عشرة من الذكور ففرحت أمها فرحا كبيرا فعندما زفت البشرى الى والدها أسماها نفيسة لأنها بمثابة الدرة النفيسة والبنت الوحيدة بعد عشرة ذكور ولم يبرح مكانه بالكعبة بعد بشرى نفيسة حتى جاءته البشارة باسناد ولاية المدينة المنورة إليه مع منحة قدرها عشرون ألف درهم ولازمت أباها فى نسكه وعبادته وحلقات علمه حتى انتقل بها الى المدينة المنورة وهى فى الخامسة من عمرها فكانت تذهب إلى المسجد النبوى وتستمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه حتى لقبها الناس بنفيسة العلم وأتقنت القراءة والكتابة وهى لم تبلغ السابعة وحفظت القرآن كاملا وجودته وهى فى الثامنة وفاض اكتمال الجمال والبهاء على التقوى والورع فتهافت شباب آل البيت على بن الأنور آملا فى الفوز بنفيسة العلم والمعرفة بينما الأب يرفض رفضا قاطعا قائلا “إنى أريد أن أؤدى الأمانة الى أهلها وأرد القطرة إلى بحرها وأغرس الوردة فى بستانها” حتى تقدم لخطبتها اسحق بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وكان ملقبا بالمؤتمن لما عرف عنه من شدة أمانته وإيمانه فرفض الأب كعادته وانصرف إسحاق الى مسجد رسول الله يدعو فى محرابه ليأتى الصباح برسول من والد نفيسة يخبره بقبول طلبه وذلك بعدما رأى بن الأنور رسول الله فى منامه يوصيه بتزويج نفيسة للمؤتمن وتم الزواج فى رجب161هجريا وسافر إسحق بصحبتها الى مكة المكرمة وهامت نفسها بزيارة مقام الخليل إبراهيم فصحبها زوجها لزيارته ثم طلبت زيارة مصر فآتى بها المؤتمن إلى مصر يوم 26 رمضان 193هجريا وكانت شهرتها قد سبقتها فخرج الناس لاستقبالها على أبواب مصر عند مدينة العريش فى أفراح لم يسبق لها مثيل وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم والمعرفة حتى كادوا يشغلونها عن عباداتها فخرجت عليهم قائلة “كنت قد اعتزمت المقام عندكم وقد تكاثرت حولى الناس فشغلونى عن أورادى وجمع زاد معادى وقد زاد حنينى الى روضة جدى المصطفى” ففزعوا لقولها ورفضوا رحيلها حتى تدخل والى مصر وقال لها “يا ابنة رسول الله إنى كفيل بما تشكين منه” ووهبها دارا واسعة وحدد يومين فى الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبا للعلم والنصيحة وتروي زينب ابنة أخيها يحيى المتوج «خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة أربعينَ عامًا فما رأيتها نامَت بلَيل ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفُق بنفسي وأمامي عَقَبات لا يقطَعُهُنّ إلا الفائزون؟ وكانت تقول: كانت عمتي تحفَظ القرآن وتفسِّره وكانت تقرأ القرآنَ وتَبكي» و أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا وقرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاءً شديدًا كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشيةكانت فيها تتعلق بأستارالكعبة وتقول: «إلهي و سيدي و مولاي متعني و فرحني برضاك عني و لا تسبب لي سبباً يحجبك عني»
وعرف عن السيدة نفيسة نصرتها للمظلوم وشدة تمسكها بالعدل واستغاث بها الناس فى مصر من ظلم ابن طولون فاعترضت موكبه فلما رآها ترجل عن فرسه فقالت إليه ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وردت إليكم الأرزاق فقطعتم فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون فعدل ابن طولون فى وقته ومن كرامات السيدة نفيسة أنه عندما توقف النيل عن الزيادة فى زمنها حضر اليها الناس طلبا للدعاء فدفعت بوشاحها إليهم وقالت القوه فى النيل فلما ألقوه زاد منسوبه حتى بلغ الله به المنافع وكان الإمام الشافعى إذا مرض يرسل لها رسولا من عنده يسألها الدعاء فتدعو له فلا يرجع إليه رسوله إلا وقد عوفى فلما مرض الشافعى مرضه الأخير أرسل لها رسوله فقالت “متعه الله بالنظر لوجهه الكريم” و أوصى أن تصلى السيدة نفيسة فى جنازته وكان يجاورها اليهود كان من بينهم امرأة لها ابنة قعيدة لاتقدر على الحركة واشتهت الفتاة أن تبقى عند الجارة الشريفة فاستأذنت الأم من السيدة نفيسة فأذنت لها فحملتها ووضعتها فى زاوية البيت وذهبت فقامت السيدة نفيسة وتوضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية فألهمها الله أن أخذت بماء الوضوء ومسحت به على قدميها فشفيت بإذن الله وحين أخبرت البنت أمها بما حدث معها قالت هذا والله صحيح الدين فإذا كانت هذه بركة وضوء السيدة نفيسة فكيف بوضوء الرسول الأعظم فدخلت على السيدة نفيسة بصحبة زوجها وأشهرا إسلامهما ثم شاع خبر البنت وإسلام والديها فأسلم جماعة اليهود الذين كانوا يعيشون معهم كانوا 70 ألف يهودى وايضا طلب الأمير رجلا ليعاقبه وكان الرجل مظلوما فمر بالسيدة نفيسة وإستجار بها وطلب منها الدعاء فقالت إمض حجب الله عنك أبصار الظالمين فمضى الرجل مع الجنود الى الأمير الى أن وقفوا بين يديه فسألهم أين الغلام فعجبوا وقالوا إنه واقف بين يديك فقال ولله ما أراه فقصوا عليه ما دعت له به السيدة نفيسة فقال الأمير وبلغ من ظلمى هذا كله أن يحجب عنى المظلوم يارب إنى تائب إليك وتروى زينب بنت أخيها أنها مرضت فى أول جمعة فى رمضان وظلت صائمة حتى حلت العشر الأواسط فكانت تقرأ سورة الأنعام وحين وصلت لقوله تعالى (قل لله كتب على نفسه الرحمة) غشى عليها وفاضت روحها الكريمة وكانت قد أوصت بدفنها فى قبرها الذى حفرته بيديها وهو نفس مكان مقامها الآن وأصر زوجها على دفنها بالبقيع إلا أن المصريين حالوا بينه وبين ما يريد وتشفعوا له بالأمير الحاكم فلم يقبل شفاعته وبات الناس حول قبرها يدعوا الله آلا يريهم ساعة فراقها حتى أشرق نور الصباح ليقبل إسحاق مشرقا ليقول لجموع الناس الثكلى ولله لقد رأيت رسول الله فى منامى قائلا ( دع نفيسة للمصريين) وكان يوم دفنها مشهودا وسيظل مقامها مقصدا وملجأ لمريدى نفيسة العلم والمعرفة و نحتفل هذه الأيام بتطوير مقام و مسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها فى عهد فخامه الرئيس
د. رانيا شارود خبيرة علم التوافق و الأرقام