دكتور سمير المصري يكتب.. الرزق لأهل الضلال
الرزق بيد ربنا وحده سبحانه وتعالي ؛ فالله تعالى هو الذي خَلق ، وهو الذي رزق ؛ فهو المعطي وحده دون أن يشُق ذلك عليه ، ودون أن ينقص من ملكه شيء ،
فما على الإنسان إلّا أن يسعى طلباً للرزق ، ثمّ يتوكّل على الله ، والله يعطيه من رزقه دون أن ينقص شيئاً ممّا كتبه الله تعالى له .
الرزق بيد الله فلا همّ ؛ فلا بدّ أن يعلم العبد أنّ الرزق الذي كتبه الله له سيحصله وهذا أصل مهمٌّ من أصول الإيمان بالله تعالى ، فإن كثرة الرزق لا تدلّ على محبّة الله ؛ فقد يبسط الله على أهل الضلال في الرزق ، ويقتّر على أهل الإيمان ،
لا تظنّ أن الله يحبّهم ويصطفيهم ، فالله يعطي الدنيا لمن يحبّ ومن لا يحبّ ، ولا يعطي الآخرة إلّا لمن يحبّ ، إن الله هو المتصرّف في أرزاق العباد فيجعل من يشاء منهم غنيّاً، ويجعل من يشاء منهم فقيراً ، وذلك لحكمٍ لا يعلمها إلّا هو.
سبحانه وتعالي يُبارك في الرزق بالطاعة ويمحقه بالمعصية؛ فما عند الله من الرزق والبركة لا يُنال إلّا بطاعته ، وكل من استعجل الرزق بالحرام منع الحلال عنه ، انه الرزق الحلال ،،،
ذات يوم كنت وصديقا لي في حديث حول موضوع توزيع الأرزاق والفقر والغنى ، وكنا نفكر ونتدبر في هذا الأمر وتلك المسألة ، وتحدثنا عن ذلك من المنطق البشري القاصر غير الحكيم ،
لقد اتفقنا على أن ما نراه اليوم أو ما رآه أجدادنا في الأيام السابقة ، أو ما سيراه أحفادنا في المستقبل البعيد في مسألة الأرزاق وجني الثروات والأموال إنما هو أمر لا يعتمد على ذكاء ، أو قوة عقل وجسم ، أو أي سبب مادي يمكن أن يخطر على قلب بشر .
قد ترى مسكيناً بائس تشفق لحاله ، وتعتبر نفسك وأنت ذو الحال المتوسط عندما تقارن نفسك به انك في أفضل حال وفي غنى يتمناه ذاك المسكين ،
وإذا هو بعد حين ، ليس هو ذاك الذي عرفته قبل ذلك بل بقدرة قادر قد انفتحت أبواب الدنيا عليه ، ووسع الله في رزقه حتى تبدأ تشفق على نفسك حين تعيد المقارنة!
وقد تقابل آخر تلعنه الأرض ومن عليها من شدة ظلمه وجبروته ، ومع ذلك تجد عنده من الكنوز ومن المال المتدفق عليه وبأشكاله المتنوعة وبشكل مستمر …لا يتوقف. في الوقت الذي ترى تقياً نقياً أو عابداً خاشعاً ، يعبد الله سبحانه وتعالى ، ويصل الليل بالنهار اجتهاداً في العمل والحركة والعبادة ، تجده مع ذلك من أصحاب الدخل المحدود، بل وربما المحدود جداً!
وقد يعترض طريقك فاسقاً لا يعرف صلاة ، ولا زكاة ، أو دين وعبادة ، وهو يعيش حياته في النعيم ، ويصرف الملايين ويبعثرها هنا وهناك ! فما هي الحكاية ؟
هل رزقك مرتبط بعبادتك … كثرت كانت أو قلت ؟
هل هناك علاقة بين رزقك الواسع … وبين دينك ؟
هل هناك منطق رباني للخالق يختلف عن منطق الإنسانية البشرية في مسألة الأرزاق ؟
اعلم ان الله سبحانه وتعالى له حكمته الخاصة في هذه المسألة مثلما له حكمته في كافة الأمور ، فقد يموت الصغير قبل الكبير ، وقد تتزوج امرأة وتعنس أخرى ، أو قد يرزق الله رجلاً ويجعل زريته البنات ويحرمه الأولاد وقد يكون العكس صحيحا ، أو غيرها من أمور الحياة قد لا نفهمها بعقولنا المحدودة . الله عز وجل له حكمته في أن يوسع في رزق غبي جاهل أو ذلك الفاسق العربيد ، أو الكافر الذي يعاديه ورسله المنزلين ، أو ذلك الشرير البليد لا يعترف بوجوده ، في حين يضيق الرزق على ذاك العابد التقي النقي ، أو مؤمن مخلص نظيف القلب ، أو إنسان يجاهد في سبيله سبحانه وتعالي … فما هذا المنطق ؟
إنه دون ريب المنطق الإلهي، الذي يختلف عن المنطق البشري تماماً ولا شبيه له مطلقاً ، فنحن نشاء أمراً والله يشاء امورا اخري مختلفة تماما .. نحن نفعل ونخطط وندبر لامور … نريدها أن تتحقق لنا .. والله يفعل ما يريده هو لنا ولغيرنا..
قد تدعو فلاناً إلى التقوى والعبادة حتى يفتح الله عليه أبواب الرزق ، فتراه يرد عليك قائلاً: « وما رأيك في فلان الفاسق الفاجر الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يعرف ديناً أو شرعاً، وهو مع ذلك لا يدري كم رصيده في البنوك المختلفة من ضخامته، وكم يملك من عقارات وأسهم وغيرها من خيرات الدنيا؟! »،
فتقول له : إن الله قد يكون وسع له في رزقه وحرمه من الصحة، فيقول لك إنه يتمتع بصحة أفضل مني ومنك ومن أي إنسان على وجه الأرض!
تدخل عليه من جانب آخر وتقول : إن الله قد يضيق في رزق إنسان مؤمن تقي ليوسع له في الآخرة ويرزقه الجنة، فيرد عليك بأن فلاناً بن فلان صاحب دين وتقوى ، ومع ذلك فخزائنه شبيهة بخزائن قارون، وهو سعيد في دنياه ويشكر ربه على الدوام، ويتصدق باستمرار وزكاة ماله لا يتأخر أبداً في توزيعها على الفقراء والمحتاجين كما أمر الله. فهو إذاً سعيد في دنياه ، وسيسعد في آخرته أيضا إن شاء الله.. فتحتار أنت مع الذي يجادلك بمنطق سليم، فلا تملك وقتها غير القول كما بدأنا الحديث في أن الأرزاق مسألة لا يعرف حكمة توزيعها على البشر سوى الله رب العالمين .
الخلاصة
حتى لا نتوه كثيراً … وحتي لانبتعد في مسألة توزيع الأرزاق ، لابد من التسليم بهذا القدر الإلهي ، وعدم الخوض في الكيفيات والتساؤلات ، فمن اقتنع فهذا حظه من الإيمان ومن لم يقتنع فهذا أمر الله و حظه أيضا من الإيمان ،،،،
والأمر لله من قبل …ومن بعد .
وفي ظل الظروف …. وفي السماء رزقكم .. فإن كنت حقاً تؤمن بأن رزقك في السماء ، فلماذا تقلق عليه خشية ألا يصل الأرض ؟
صباح الرزق الحلال … غدا صباح مصري جديد ،