دكتور سمير المصري يكتب.. عندما يكون الظالم هو القاضي والجلاد ، أي عدل تنتظر ؟
عندما يكون الظالم هو القاضي والجلاد ، أي عدل تنتظر ؟
العدل قيمة من القيم العليا التي تتحقق بها إنسانية الإنسان الحقيقية ، أنه بمثابة القاعدة القوية المتينة لينهض الوطن ، وتحيا الأوطان .يشمل العدل جميع جوانب حياة الانسان ، ولا يقتصر على جانب دون آخر ، لأن وجوده يقتضي أن يعم كل المجالات الحياتية للأفراد ، بدون العدل لا يمكن أن تُحفظ الحقوق ، ولا أن ينعم المجتمع بالأمن والاستقرار ، وبفقدانه لا يمكن أن تُعمق المبادئ الأخلاقية التي تُبنى بها الشخصية السوية،
لهذا يمكن أن نقول أن اللاعدل لا شرعية له إطلاقا ولو بالقانون مهما كانت القوة الظالمة التي تَفرضه ، فالعدل وحده من يمنح للناس رغبة شديدة في قبول حق السلطة عليهم، وحتما بغياب العدل يحل الجور والعدوان في محله. إن وجود قضاء نزيه من مظاهر تحقيق العدل وتجسيده في أرض الواقع لا في النصوص القانونية فحسب، وهذا ما هو مُتعارف عليه كونيا في البلدان التي تحترم القوانين الإنسانية وتقدرها ، وتبرزها بشكل واضح من دون أي تحريف ، او وتلاعب ، واستغلال لثغراتها، إذ لا حيدة للمنتمين لمكان واحد من التعرض للمساءلة القانونية ، والمحاسبة النزيهة.لهذا فالقاضي مهما كان حجم القوة التي يمتلكها الظالم مُلزم بأن يكون على مستوى متساو بين المظلوم والظالم وعلى مسافة واحدة بين الضحية والجلاد، حتى لا ينتفي العدل على الأحكام أو القرارات الصادرة منه .إنه لأمر يدعو للقلق الكثير على حاضر ومستقبل البعض نظرا لاهتزاز ثقتهم في حكم يصدر بشكل مخيف، بل وتكون هذه الثقة منعدمة حين يجد نفسه طرفا يتنازع على حقه أمام جهة من الجهات المالكة للسلطة، فصار بذلك الشخص يحس بالضيم في المكان الذي يتوجب عليه أن يعطيه حقوقه الكاملة ويصونها ، بدل أن يستولي عليها ويسلبها بممارسات سلطوية استبدادية مغلفة بمسميات براقة في ظاهرها،
هناك فرق شاسع و هائل بين القاضي والجلاد فلكل منهما أدوار ومهام مختلفة ؛ فالقاضي وفقا للعرف والقانون هو جهة الفصل بين المتخاصمين، أما الجلاد فهو أداة غليظة لتنفيذ ما حكم به القاضي ، أي أن القاضي له سلطة الحكم والجلاد هو المنفذ للحكم على الظالم (المتهم)، ومن المفترض أن تكون أحكامه بعيدة عن الهوى وما يكنه في القلب، والجلاد بعيد عن التأثير في حكم القاضي، لكن واقع الحال فيه تناقضات عديدة ، ومن بين تجليات ذلك أن نجد الظالم هو نفسه القاضي وهو أيضا الجلاد، وإن تعددت الشخصيات لكنها في الواقع تخدم طرفا واحدا وهو الظالم؛ سواء كان مسؤولا من المسؤولين أو من ذوي الجاه والنفوذ أو ممن يتمتع بالمال الكثير.لايجب أن تكون القاضي والجلاد في نفس الوقت ، أي توصيف يليق بالظالم عندما يكون في صورة القاضي والجلاد ؟
الواقع شيء مغاير لكون أصحاب السلطة يسكبون المزيد من الظلم لتزداد مصائبهم وويلاتهم، فَهُم لا يتوقفون عن استبدادهم وقهرهم بشتى الوسائل.وفي حين أن المظلوم هو الذي لا حق له أمامها، لأنه في جميع الحالات لا يمكنه أن يكون سوى متفرج ، وإن صرخ بصوت عال فلا سامع لكلامه ولا لقول الحق، فهناك أشخاص هم المتحكمون في الحكم الذي يتكفل بتجميل أفعالهم وتصرفاتهم الظالمة وتزيينها، هكذا يجعلون حكمهم في خدمة الظلمة حينما يكونون من المسؤولين الذين لهم السلطة والنفوذ والمال؛
إذ لا يمكن في هذه الحالة أن تكون وسيطا لتحقيق العدل بقدر ما يسمح للقاضي بأن يصير مجرد جلاد للمظلوم وخادما للظالم.والمثير للقرف والتقزز أنهم لا ينفكون يتحدثون عما يُطلق عليه الحق والقانون، والذي تبدو في الأفق للمقهورين مجرد خِداع وتوهيم لهم ،
وبات السؤال البديهي المطروح عن أي حق وقانون يتحدث هؤلاء وهم في الأصل من يسلطون سياط ظلمهم على المستضعفين؟
وما يفعلونه من ممارسات لاأخلاقية جائرة تعطي زخما قويا لكل من يُطبل لهم، لِيُحسن الترويج لرؤاهم المغلوطة التي تتذرع بالمصلحة العامة من أجل بَسط هيمنتهم واستعبادهم.إن غياب العدل في صورته المتكاملة كممارسة واقعية وظاهرة ، يقابله نهج غير مبرر للمقاربة ضد كل محتج مطالب بحقه بشكل سلمي وحضاري في مجال عمله ،
لا تعتمد على عكاز القوة لتمارس الظلم والجور والقهر مع الافراد تحت مسمى القانون الذي يوضع على مقاس مصالحك ، لانها تُفقد شرعية ذلك القانون أخلاقيا وإنسانيا، وتبقى قيادتك للمؤسسه مهزوزة حقوقيا مهما رفعت من شعارات الديموقراطية الراقية التي يظهر زيفها في أبسط الأمور الحياتية المعاشة بأرض الواقع ،
الخلاصة
وفي الأخير ينبغي الإشارة إلى أن تحقيق العدل في مؤسسة ما لا يكون من دون توفير المناخ الآمن لها كمدير ، وقائد عبر حماية حق الموظفين في التعبير ، وحفظك لتداعيات الاستخدام السلبي للقانون الذي يخلف الظلم من الآخر الأقوى ، والذي قد يكون سلطتك نفسها عليها في بسط سيطرة القانون ، أو المؤسسة التي تعمل بها، أو حتى من الموظف المختلف معه في الرأي،
ولا يحق أن تتحدث عن العدل في ظل القمع والظلم ، واخطائك التي تبررها وتجعلها أمرا ضروريا ومعقولا، فبذلك تميط لنا اللثام عن وجهها الحقيقي،
فرق كبير بين القائد… والمدير …
غدا صباح مصري جديد ،،،،