دكتور سمير المصري يكتب..ليست نهاية العالم
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،
خيانة الامانات أقبح الخلال ، وأشنع الخصال ، هي الصفات الأكثر فسادًا وإفسادًا للمجتمعات والأمم ، ان التفريط فيها ومخالفتها الحق بنقض العهد في السر ، والغدر في العهود ، وعدم الوفاء بها.. لأن هاتين الصفتين السيئين هما مجمع الأخلاق السيئة ، ومستودع التصرفات القبيحة ، انهما سبب الشرور والآفات ؛ نعم اننا بسببها نسفك الدماء، ونزهق الأرواح، وننتهك الأعراض، وننهَب الأموال ونغتصب الحقوق وننتشر الخوف..بيننا في مجتمع زاد فيه الخوف وتربع علي عرش مقاليد الأمور … سبحانك يارب .الخيانة والغدر من كبائر الذنوب والآثام ، بالغدر والخيانة تستحكم في المجمع الأحقاد ويكثر القتل والهرج ، فلا يدري القاتل لِمَ قَتَل ولا المقتول لِمَ قُتِل،فلقد كثير كم من الحقوق بسبب الخيانات والغدر في العهود والمواثيق! ، فكم من آلام تجرعت وأحزان امتلأت بها القلوب والنفوس بسبب الخيانات والغدر … ستركوعفوكورضاكيارب العالمين .
لقد قامت ، واشتعلت حروب طاحنة قضت على الأخضر واليابس، وعطلت المدارس والمساجد، وشُردت اسر، ويتمت الأطفال وأرسلت طلائع الفساء ، وهُجرت مجتمعات بأكملها ، لقد أوقفت حركة التنمية والإعمار ، ونُشِرت الخراب والدمار ، بعد ان تفشت الخيانات والغدر في العهود والمواثيق .الخيانة سبب من أسباب دخول النار؛ “وأهل النار خمسة” منهم “الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك”.
أن الله -عز وجل- خصيم كل غادر يوم القيامة ومن كان الله خصمه خُصم لا محالة “ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ”.وأما في الآخرة فالخائن والغادر محل للتشهير يوم القيامة على رؤوس الخلائق أجمعين؛ “لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة” ، “من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة”.
إن الخيانة والغدر من أعظم الطرق الموصلة إلى العار والشنار في الدنيا والآخرة والمكْسِبَة لغضب الجبار جل جلاله. ولن يحصل للغادر والخائن إلا نقيض قصده وخلاف ما يسعى إليه وإن طال الزمن، وإن تحقق له بسبب خيانته وغدره شيء مما يظنه من المنافع والمصالح، فعما قريب يعقب ذلك الخزي والعار والخسارة والبوار، “كم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات الفسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي فهو على فكه غير قادر”
أعاذني الله وإياكم من الغدر والخيانة وجعلنا من أهل الوفاء والأمانة إن ربي سميع مجيب.
الخلاصة
الخذلان! أقسى أنواع الألم الذي قد يصادفنا يوماً في مسيرتنا الدنيوية. كلمة مقيتة مميتة قتلت كثيرين وهم لا يزالون على قيد الحياة، أنهت علاقات كانت مترابطة متينة لتجعلها منكسرة مهشّمة بعد أن اندسّت بين أضلاعها، لم يسلم منها إنس وقد أقول ولا جان، بالرغم من أنّي لا أملك مفاتيح الولوج لعالمهم المخفي عن الأعين لأكتشف إن كانت متوفّرة هناك في قواميسهم أم لا. إن لم تختبرها! فقد تكون كائنا أسطوريا على ما أظن. فلو سألت أي إنسان على البسيطة عن أسوء ما مرّ به لقال لك ببساطة ” لقد خُذلت، ومِن أقرب الناس إليّ.
يخذلنا أقرب الناس إلينا …
هي ليست نهاية العالم أن يخذلك أحدهم إذاً، فأنت لست الأول ولن تكون الأخير، فإن قلت لك أنّ هذا الخذلان هو قانون كوني وضعه الله في طريقنا لنتقّوى به فقد يُهَوّن قولي هذا على نفسك .ان كبرياء قريش وخوفها على المُلك وضياعه هو ما ضيع مكانتها فراحوا يعملون على كل ماهو بعيد عن أمر الله بكل السبل لكنهم ما اسطاعوا الى ذلك سبيلا. وكذا خوف شدّاد على نفسه ممّا قد تقوله العرب لو أنّه اعترف بعبد ابنا له، وكذا خشيته على ابنه عنترة نفسه من الظهور مع الكبار والأحرار، مما لا محالة سيجعله محلّ سخرية القوم وهذا ما جعله يعزف عن الاعتراف بفروسيته وشعره أو أنّه على الأقل عبد حر من صلبه ولو كان ابن زبيبة السوداء.
ليست نهاية العالم أن يخذلك أحدهم إذاً، فأنت لست الأول ولن تكون الأخير، فإن قلت لك أنّ هذا الخذلان هو قانون كوني وضعه الله في طريقنا لنتقّوى به فقد يُهَوّن قولي هذا على نفسك وأوجاعك القليل. فلنقف على أرجلنا ولنتشجّع فالعالم لا يقف تحية للضعفاء ممن خُذلوا، وليخذلونا إذاً كما شاءوا فما دمنا لم نخذل أنفسنا، فنحن في الطريق الصحيح يا صديقي، إذ يمكننا أن نبدأ من جديد متى شئنا نحن، فلنتخلى عن كبريائنا ولنبدأ معا برسم ملامح رحلتنا بعيدا عنهم.