دكتور صلاح سلام يكتب.. الكنبة
برزت بطولة الكنبة في أعقاب ثورة يونيو ٢٠١٣ حيث أشار كل المراقبين إلى تحرك حزب الكنبة…وهو أقوى حزب في مصر والتسمية كنية عن الجالسين في بيوتهم او على دكة الحياة ينظرون وينتظرون ..والحقيقة أن الكنبة كان لها تاريخ في بلدتنا “العريش” فقبل اختراع الكرسي الأسيوطي الذي غزى بيوتنا في اواخرحقبة الستينات وربما اول السبعينات كانت الكنبة هي سيدة الموقف وهي تلك الاريكة الخشبية والتي تشبه الصندوق ولكن بارجل صغيرة من الخشب يصل طولها الى حوالي مترين او اكثر قليلا وقد تكون مفرغة من احد الجوانب وهو الملاصق للحائط وبعرض نصف متر تقريبا حيث توضع عليها مرتبة قطنية ذات سمك متوسط وتغلف بطقم من القماش يكسو تلك المرتبة وباقي الكنب مع عمل مساند من القطن او القش المضغوط وهي مغلفة أيضا بقماش البفت او العبك ثم يكسوها نفس قماش المراتب وتوضع على كل كنبة مسندين على الحائط والتسمية أتت من أن الضيف يسند ظهره إليها بدل الحائط وبينهما مخدتين ليتكئ من يجلس عليهما…هكذا كانت المندرة التي كنا نستقبل فيها ضيوفنا واثاثها عبارة عن مجموعة من الكنب على الحوائط الثلاث وعلى يمين باب المندرة دولاب فضية تطور فيما بعد عند الأجيال اللاحقة واسموه النيش أما ما كان في بيتنا ليس له علاقة بالنيش فهو فاترينة من الموبيليا واجهتها زجاجية متحركة اي جرار وداخلها بعض الاكواب الزجاجية وبعضها محلاة بخطوط ذهبية كانت امي الحاجة وهيبة”ياسمين” تستدعيهم في المناسبات القومية كفرح احد أبنائها او في وجود ضيف قادم من بلاد ماوراء القناة….وعلى يسار باب المندرة ترابيزة احتياطية عليها بعض الكراسي الخشبية إذ ربما تمتد الضيافة للعشاء هذا غير الترابيزة الصغيرة التي تتوسط المندرة والتي تقع في منتصف الغرفة المفروشة بحصيرة جديدة وعليها كليم فيه عدة الوان ويغلب عليها اللونين البني والنبيتي…ولقد كانت الكنبة هي الانتريه والصالون و غرفة الجلوس ولنا فيها مآرب أخرى حيث يمكن نزع كل ماعليها من كسوة وفرش ومخدات لتصبح جرداء ويتم نقلها إلى مكان آخر فقد كنا نستخدمها احينا لعمل منصة الفرح لنا او لأحد الجيران فيتم وضع كنبتين فوق اخرين وبجوارهم كنبة دور واحد وفرش سجاد ملون ووضع كرسيين للعروسين مع خلفية من السجاد المزركش فتصبح كوشة ومسرح ويتم نصب الزينة والانوار داخل البيت ..ولن أحدثك عن البيت ..فصالته مثلا تتسع لكل الأقارب والجيران والباقي في قاع الدار يشاركون ولكن ربما بدون كراسي…أما إذا كان فرح الرجال وهو في الليلة التي تسبق الفرح الرسمي العائلي فيكون في الشارع حيث تساهم الكنبة بالشطر الأكبر حيث يتم فرش الشارع بعد اقتراض كل كنب البيوت المجاورة ورصها أمام المنزل بعد تنظيف الشارع الرملي طبعا ورش المياه وتركيب عقد النور …وهو عقد واحد فقط…وتجهيز الكلوبات فلربما تنقطع الكهرباء فتتحول الليلة إلى ضلمة ويكون فأل سيئ ويتم إشعال المنقد”الكانون” لصب القهوة والشاي إلى الضيوف بعد التحية بالشربات الذي يأتي كهدايا من المهنئين في عبوات زجاجية بها مادة حمراء والمنقد يستخدمه عازف الإيقاع لشد جلد الطبلة من حين لآخر وتدور رحى الليلة مع المقرون وهو آلة نفخ من البوص تشبه المزمار مع الطبلة والجلوس جميعا على خشب الكنب وربما يقف خلفهم مجموعات أخرى او يعتلون الكنب وقوفا كصف ثاني ليشاهدون من يرقص…ولم يكن الرقص خليعا وقتها فاما الدبكة او رقصة العصا او مباراة بين شابين متقابلين في المرونة والحركة على الإيقاع السريع…اجترت سيرة الكنبة كل ذكريات تلك المشاهد …حيث عاش معي طاقم الكنب والمندرة ونفس الترابيزة التي كانت تستخدم سفرة احيانا عاشت معي كمكتب للمذاكرة وحينما اربد تغير جو الغرفة اخرج إلى الفرندة البحرية امام المندرة بالترابيزة الصغيرة والكرسي الخشبي ولمبة اعلقها على الحائط متصلة بفيشة المندرة الداخلية وذلك لاتنسم هواء الصيف مع حشد كل القوى للمذاكرة بعد انقضاء ليالي الشتاء حيث كنا نذاكر داخل تلك الغرفة الطينية ذات الحوائط السميكة والتي تقلل إلى حد كبير درجة البرودة….سلام على تلك الأيام وعلى كنب بيتنا القديم وان جاز التعبير فنحن اهل الكنبة وحزب الكنبة ولنا الفخر