دكتور صلاح سلام يكتب..الهجانة
على شاطئ العريش عندما كنا نذهب للمصيف في الستينات قبل حرب يونيو١٩٦٧ والذي هو في الحقيقة معسكر عمل لجمع البلح ومخلفات النخل من جريد وخلافه ..عندما يأتي المساء لم تشأ نجوم الليل تظهر كما قال محمد عبد الوهاب ..وانما جمال بكسر الجيم يركبها رجال شداد غلاظ يمشطون شاطئ البحر جيئة وذهابا وكانوا جميعا ذو بشرة سوداء يلبسون اللبس الميري ويحمل كل منهم في يمينه كرباج ودائما هناك عدة شحطات افقية في جلد الوجه مابين العين والاذن كما لو كانت كي واللهجة سوداني وهم ضمن كتائب الهجانا وهو مايعرف الان بسلاح الحدود اوربما كانوا جزء منه ولكن لم نكن نرى الا هؤلاء الرجال الذين كانوا يمنعون تواجدنا قرب البحر اذا حل المساء…ولاشك ان جنود الهجانة كانوا من بقايا مملكة مصر والسودان حيث كانت السودان تخصع للتاج الملكي قبل ثورة ١٩٥٢ ولكنها كانت تتمتع بحكم ذاتي ثم اصبحت دولة مستقلة ولكن اعتقد ان من عاش منهم في مصر لم يود العودة الى السودان ومنهم هؤلاء الرجال الذين انخرطوا في الجيش وظلوا فيه ولكن يبدوا ايضا انه يتم اختيارهم لهذه المهمة بمواصفات خاصة تحمل شيئا من الغلظة والقوة…وحتى لايلتبس الامر هناك فرق بين سلاح الهجانا الذي كانت اهم اهدافه منع تهريب المخدرات والسلاح وربما اشياء اخرى لان مدينة غزة كانت منطقة حرة مثل بورسعيد ايام عزها فيها كل المستورد ومتاخمة لسيناء.. في حين كانت مصر عبد الناصر مغلقة على الانتاج المحلي..ومن يسعده الحظ ويسافر الى غزة بالقطار يعود محملا بتجهيزات العرائس من الصيني والاكواب الكريستال واطقم المائدة الستانلس والراديو الترانزستور ومستلزمات البيت العصري وقتها ولكنها كانت تخضع للجمارك ومن المؤكد انه كان يتم تهريب عن طريق البر والبحر فكان منع هذا ايضا مضاف للى مهامهم الاخرى..ولكن لفت نظري انهم جميعا تقريبا من ذوي البشرة الداكنة..ربما لقوة تحملهم المشي في الصحراء مع الجمال…ولعدم الخلط فالهجانة غير الهجناه والاخير هو اسم عصابة مسلحة من السفاحين كان يرأسها مناحم بيجين والذي اصبح فيما بعد رئيس وزراء اسرائيل وزعيم حزب جاحال والذي تغير فيما بعد واصبح حزب الليكود ..تلك العصابة التي بقرت بطون النساء الحوامل في مذبحة دير ياسين وهي احد المذابح الشهيرة التي ارتكبها الصهاينه في حق الشعب الفلسطيني ليترك ارضه في اربعينات القرن الماضي…وتطورت الهجانة فيما بعد حيث اصبحت سيارات الدفع الرباعي وسيارات الجيب ذات القدرات العالية تستطيع ان تجوب الشواطئ والصحاري من خلال سلاح خاص “سلاح الحدود”واصبحت الهجانة رياضة يقام لها احتفال سنوي وربما اكثر واتحاد رياضي ومسابقات محلية وعرببة وتعرف بسباقات الهجن..لتنسينا الكرباج وذاك الرجل الاجش الذي نخاف ان نقترب منه ونحن نلعب على شاطئ العريش شبه الخالي من البشر في منطقة الريسة حيث تقبع شجرات النخيل حيث الظل والعريشة والمصيف وجني الثمار ونركض بعيدا حتى لايصل الينا طرف كرباجه والذي كان على مايبدو هو سلاحه