دكتور صلاح سلام يكتب..جنود مجهولون
عندما استقر الوضع نسبيا بعد أن توقف ازيز الطائرات وطلقات المدافع واستطاع سكان مدينتنا دفن شهدائهم من المدنيين والعسكريين وتم رفع مخلفات الحرب من ذخائر وسيارات مدمرة…ومضى شهور الصيف بين حظر تجول تتخلله سويعات لقضاء الحاجات من مأكل ومشرب… في ظل قطع كامل للتيار الكهربائي وخطوط المياه واصبحت الحياة شبه مستحيلة…دعت قوات الاحتلال كبار وعقلاء وشيوخ المدينة لتكلفهم باعادة المرافق واستكمال الاعمال بالبلدية وهي المسئولة عن الكهرباء والماء وفتح المدارس وتدخل الصليب الأحمر الدولي لتوزيع المواد الغذائية وهيئة كير للمعونة التابعة للأمم المتحدة…واستجاب البعض للنداء ورفض البعض الاخر خوفا من أن يوصموا بشبهة التعاون مع العدو الاسرائيلي …وكان الكثير يحذوه الامل في أن هذه الغمة ستزول سريعا كما حدث في حرب ١٩٥٦ حيث انتهى الاحتلال في اقل من شهرين…فنحن في سيناء على موعد مع الحروب فلايمر علينا عقد من الزمن دون حرب…وترجع خشية الاهالي للذاكرة… حيث أن من تعاون سابقا تم “نفخه” بالحرف هذا ماكنت اسمعه وهم يعنون مايقولون وليس كما تقال الكلمة الان كنوع من الفكاهة الساخرة… ولكن تصدر بعض الرجال المشهد ولهم حجتهم في أن إعادة مظاهر الحياة سوف تعود على السكان المحليين وليس على المحتل وعاد من عاد إلى عمله تحت قيادات محلية وتنسيق مع ضابط اتصال في كل مرفق ومما اتذكره أن طلبة المدارس عاد عدد غير قليل منهم وبدأ الاستاذ أنيس عبده وهو احد رجال التعليم وأعتقد أنه كان مدير الثانوية الصناعية قبل الحرب ومعه الاستاذ علي القصاص بمحاولة اقناع المدرسين للعودة إلى عملهم ولكن البعض ابى انتظارا لذاك اليوم الذي سوف تنسحب فيه قوات الاحتلال إلى خطوط ماقبل ٥ يونيو ١٩٦٧ حسب قرار مجلس الأمن والذي لم ينفذ حتى يومنا هذا ومن المؤكد ان هذه الاجيال تدين بالفضل لهذين الرجلين وكل الفريق المعاون لهما.. ومن الغريب ان الطلبة كانوا يتظاهرون ويهتفون ضد الاستاذ أنيس بهتاف سخيف لا أود أن اذكره وكأنه يدعوهم إلى باطل… وعاد رجال الديزل لتشغيل محطة كهرباء المشروع والذي كان معروفا بهذا الاسم وعادت المياة إلى الخطوط ولكن لم تعد الحياة إلى مجاريها لسنوات فهي مابين اضطرابات ومناوشات وعمليات فدائية واعتقالات ونسف منازل رجال المقاومة او من يأوون احد منهم…وعادت المستشفى تعمل مرة اخرى باطباء عامين اذكر منهم د.فتحي حال و د.عابدين ود.محمد رضوان ود.محمد ابو الوفا وانضم اليهم بعض من اطباء قطاع غزة…ورئيس بلدية العريش ا. محمد الحفني حتى آخر رئيس بلدية قبل التحرير ا.نبيه البيك مرورا بالاستاذين احمد الطنجير واسعد حسونة…اما من لم ينخرطوا في العمل في هذه المرافق كانوا يطلق عليهم لقب الصامدين وكانوا يعملون في مهن أخرى او يقومون باعطاء دروس خصوصية ليقتاتوا واشهرهم استاذي فوزي جربوع الذي علمني أصول اللغة العربية والخط …ولاشك أنه حدث تسرب كبير للطلبة من التعليم أما لضيق الحال او عدم رغبة في الالتحاق انتظارا لزوال الاحتلال فكان في الفصل تفاوت كبير في الأعمار فكان معي من يكبرني بثلاث سنوات او اكثر احيانا لأنه تخلف عن الالتحاق المبكر…حتى من لحقوا القطار عند السبنسة وشاءت الاقدار ان يعقد لهم اول امتحان للثانوية العامة بعد الحرب تحت اشراف الصليب الأحمر الدولي على أن يأتي الامتحان من القاهرة ويتم تصحيحه في القاهرة…من نجح منهم لم يلتحق بالجامعة مباشرة وعليه أن ينتظر النتيجة التي تظهر بعد اقرانه في داخل القطر في غرب قناة السويس وينتظر تنسيق خاص أيضا بوساطة دولية ثم يلتحق بالجامعة بعد مرور عام كامل باجراءات سفر معقدة كان الحاج محمد سعد والأستاذ عبد الرحمن عيسى يقومون بها عبر قنوات اتصال دولية من خلال مكتب العريش التابع للصليب الاحمر حيث كانا يعملون فيه وغادر الاستاذ عبد الرحمن إلى القاهرة وظل الحاج محمد سعد لسنوات طويلة يقوم بهذه المهمة وهكذا دواليك…رحمة الله على هؤلاء الرجال وعلى الحاج توفيق رفاعي الذي استولى على أموال بنك اسكندرية فرع العريش والذي كان يستأجر منه مساحة أسفل بيته وقام هو وكوكبة من الرجال المخلصين الذين نحسبهم على صلاح بصرف رواتب الموظفين في الجهاز الحكومي لثلاثة شهور متتالية أثناء الحرب حتى نفذ الرصيد وتوصيل الاموال إلى البيوت خلسة وعلى غير علم من المحتل…سلام على هؤلاء الرجال ورجال المقاومة الذين قضوا نحبهم او الذين طحنتهم سنوات الاعتقال إلى أن خرجوا إلى النور اما في تبادل الأسرى او بعد زوال الاحتلال…