صلاح سلام

دكتور صلاح سلام يكتب..مازال للقصة بقية (الجزء الثالث)

ظلت صفية في مجلسها تفكر وتتشاجر الأفكار في رأسها..ميكونشي شافلوا شوفة… وتطلق لهذا المشرب خيالا ..آه ممكن ما هو مكانش أخر ايامه طايقني..مع اني كنت خفيفة عليه ومبرضاش ازعجه بطلباتي ولاطلبات البيت..هكذا تحدث نفسها..فمن الصعب على الانسان مهما كانت قدراته العقلية وطبقات تفكيره..ان يلوم نفسه على اخطاء او سلوك او تصرف احمق ارتكبه …الا القليل من البشر الذين بدأ الصفاء يخترق نفوسهم واستطاعوا ان يتحللوا من شيطان انفسهم وبدأت الدنيا تهون عليهم فارتفعت ارواحهم وسمت فوق في ملكوت علوي سرمدي شفاف….وترجع صفية تراجع نفسها وهي تضع رأسها بين كفيها…انت هبلة يابنت..طب لو عمل كدة كان خد الفلوس او اتصرف في الارض او جزء منها…لا.. لا….طيب بس انا عملت فيه ايه عشان يسيبني انا والأولاد…دة حتى مفكرش في اولاده اللي هيتخرج واللي عايز يتجوز واللي واللي….وهكذا طوال يومها تتحدث مع نفسها وتمر الايام ثقيلة …وتتحدث الى احد اخوتها ليذهب معها الى الشركة محل عمل زوجها لانهم ارسلوا انذار اخر بالفصل برغم انها ارسلت لهم صورة من محضر الشرطة باختفاء زوجها ….وفي صباح اليوم التالي ارتدت ملابسها السوداء والتي اصبحت زيها الرسمي ومعطفها الاسود ايضا وذهبت مع أخيها علي وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة بالمعاش لتقابل مدير الشركة ..الذي رحب بهم ودار النقاش ..حيث ان نهاية الانذارات الفصل..وفي هذه الحالة قد لايكون هناك معاش..والغائب حجته معاه ولانستطيع ان نقول انه قد توفى فلايوجد شهادة بذلك…فاقترح اخيها على المدير ان تتقدم زوجته بطلب احالة زوجها الى المعاش المبكر بموجب التوكيل العام الممنوح منه لها…..فقد نتفادى الاجراءات التعسفية ..فرد المدير…واذا ظهر الاستاذ محمد وطلب عودته الى العمل…رد الاستاذ علي ..لا اعتقد يافندم انه سوف يفعل ذلك لان الطلب المقدم ممهور بتوقيع زوجته وهي وكيله الرسمي…فطلب المدير مهلة لعرض المشكلة برمتها على مجلس ادارة الشركة فلم يواجه هذا الموقف من قبل طيلة حياته الوظيفية….وكان طارق ابنها يعد العدة لامتحان السنة النهائية وبرغم ما انتاب الجامعات وكل مؤسسات الدولة من الفوضى التي صاحبت ثورة يناير الا ان كل دولاب الدولة مازال يعمل بانتظام غير ان هنا شارع مقفول بتجمع ما يهتف ضد المدير وهناك مظاهرة ضد الوزير..واخرى تطالب بالتوظيف امام مجلس الوزراء…وكذلك في المحافظات..فقد طفحت كل انواع التثور الارادي واللاارادي الغث والسمين على السواء واستخدموا كل انواع الهتاف المباح والمتاح والنباح…وعادت مصر كما لو كانت مازالت قبل حرب اكتوبر ١٩٧٣ او بعدها بقليل وكل سلعة بالطابور…. الغاز والبنزين والخبز وحتى السجاير…ولن اطيل في التفاصيل فمعظم هذا الجيل قد عاش كل هذه الايام ناهيك عن البلطجة والسرقات والتثبيت على الطرقات…المهم ان طارق الابن الاكبر لصديقي محمد شداد ادى امتحان البكالوريوس ونجح وبدأ يستعد لدخول الخدمة الالزامية فلم تفلح كل محاولات خاله الضابط السابق في التأجيل ليعول اسرته لان تغيب والده غير موثق وهي نفس قصة المعاش….ومازال احمد الابن الاصغر في دراسته والحياة حتى الان تسير بلا معوقات…واستطاع مدير الشركةان ينتزع موافقة مجلس الادارة لبدء صرف معاش مبكر لزوجة صديقي الذي خرج ولم يعد..على أن يتم التحويل رسميا لحسابه البنكي….ونظرا لان السيدة صفية تحمل توكيل رسمي تستطيع سحب ماتريد…خطوة كبيرة ولكنها جاءت بعد مكابدة…وبدأت السيدة صفية تستوعب الموقف وانها قد اصبحت المسئول الاول والاخير عن هذا البيت وقد تسرب اللون الابيض الى خصلات شعرها وهي على اعتاب سن الخمسين فهي تقريبا في نفس سن زوجها او اقل شهورا….وبدأ طارق رحلة الخدمة الالزامية وهنا زاد النحيب وتثاقلت الهموم على رأس صفية..فهي تعرف مايكابده الشاب في البداية تدريب شاق واقامة في المعسكر وحياة خشنة… وان كان الشاب متحمسا فقد كانت روح الألفة على اشدها مابين الجيش والشعب واصبح شرف الجندية اكثر بريقا من ذي قبل اثناء وبعد الثورة”ثورة يناير٢٠١١”. حيث انحاز الجيش لمطالب الشعب..وذات صباح طلبت صفية من احمد الابن الاصغر ان يصطحبها الى البلد لتلقي نظرة على الارض وتتابع مابها من محاصيل والحساب مع المستأجرين وهم ليسوا اغراب فهم من بني عمومة زوجها محمد وكانوا متعاطفين مع ظروفها والابناء …وطرحوا عليها فكرة البيع لو ارادت لترفع عن كاهلها هذا العبئ ولكنها استمهلتهم لتشاور اخوتها واولادها….وعرجت الى بيت عمدة الناحية ودلفت الى منزله لتقابله ولم تجده ولكن زوجته استقبلتها وامهلتها انه سوف يعود حيث ذهب في زيارة الى السيد البدوي ومش هيعوق….هكذا قالت وبدات تتجاذب معها اطراف الحديث عندما وجدتها تلبس زيا وحجابا اسود فانفجرت تحكي لها وتسح الدموع واحمد يجلس على الاريكة الخارجيه يغالبه النعاس..وظلت هكذا حتى وصل حضرة العمدة والذي استقبلته زوجته وانتحت به جانبا وحكت له قصة ذات الرداء الاسود وانها جاءت لمشورته في بيع الارض…والذي لم يخذلها وقال لها شوفي يامبروكة..وهذا دائما نداءه لكل السيدات وهي كلمة دارجة بين اوساط الفلاحين….لا انصحك بالبيع الان وكلها شهور وبالكتير سنة ويمكن ازود شوية والارض دي هتخش في كردون المباني وهتتباع بالمتر مش بالفدان وهتجيبلك عشر اضعاف تمنها…ربنا يسترك ياعمدة دنيا واخرة..هكذا قالت صفية..ربنا عالم بالحال واهوه بيقطع ويوصل….وعادت ادراجها صفية الى بيتها وان كانت قد طلبت من ولدها ان يذهبا لقراءة الفاتحة للعارف بالله السيد البدوي بعد ان سمعت هذه الاخبار الحلوة…..وتمر الايام والشهور بل السنين ولاحس ولاخبر عن صديقي محمد…والغريب في الامر ان صفية كلما التقت احد جيرانها او زارها احد من اقاربها وتفتح سيرة محمد تظل تحكي عن مناقبه وتصفه بأنه كان نسمة في حياتها وانه كان لايحتمل ان يمسسها الم او مكروه وانه كان مطيع ومهذب وعمره ماقال العيبة ولافي يوم نمت وانا زعلانة وتحكي وتحكي والدموع تنساب من عينيها …وهذه تطبطب وتلك تمنحها بعض المناديل واخرى ترمقها بعينها وهي تعرف الكثير من المسكوت عنه….ويبدو ان الحياة بدأت تصهرها واصبحت شخصية اخرى فقد نسيت تقريبا كل مشاوير الاطباء وان كانت مازلت تميل الى الدموع سواء منفردة تجتر احزانها وتبكي على مافاتها او مافعلته وهي لاتدري انه سوف يكون سببا في تعاستها واحيانا يكون على حاضرها فهي الان نصف رجل ونصف امرأة…ويبدوا ان الرجل كان صادقا مع نفسه ومع الله فلم يخذله او يخزيه في ولديه وزوجته فكانت كل الامور شبه ميسرة وانهى طارق خدمته العسكرية في غمضة عين واصبح احمد على مقربة من التخرج….. وبدات في الافق ارهاصات ثورة أخرى تقترب لتقتلع حكم الاخوان المسلمين وبدأ الشحن الثوري والتململ من الوضع الذي الت اليه البلاد والعباد واحتشدت الجماهير بعد ان امهل الجيش القيادة السياسية والمعارضة اسبوعا لرأب الصدع الناتج عن الغاء الاعلان الدستوري الذي استفتي عليه الشعب وجرت على اساسه الانتخابات الرئاسية وتم الاستفتاء على دستور جديد صاغته قوى الاسلام السياسي بعد ان انسحبت القوى المدنية من لجنة اعداده احتجاجا على الكثير من بنوده…وكانت الثورة في كل ميادين مصر في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والتي خرج فيها كل حزب الكنبة اي الشيوخ قبل الشباب عندما استشعروا ان الوطن ذاهب الى ضياع واستقطاب حاد قد يولد حرب اهلية وهو الشئ الذي حدث في كل البلدان المجاورة بسبب من ادعوا انهم يمثلون الاسلام السياسي والذي لم يكن لا اسلام ولاسياسي….ومن ميدان التحرير يتلقى طارق اتصال من صديق له في الدراسة وكان معه ايضا في سنوات الخدمة الالزامية انت فين ..انا في طنطا..طيب تعالى بسرعة..لقد لمحت والدك في ميدان التحرير بجوار المجمع..انت متأكد…اه والله هوة اللي شفته معاك في الصور ..طيب كلمته؟ سألته؟..انا جاي حالا…..ومازال للقصة بقية

 

#د.صلاح سلام يكتب…ومازال للقصة بقية (قصة) https://www.harmonytopeg.com/د-صلاح-سلام-يكتب-ومازال-للقصة-بقية-قصة/

#دكتور صلاح سلام يكتب….ومازال للقصة بقية(قصة) https://www.harmonytopeg.com/دكتور-صلاح-سلام-يكتب-ومازال-للقصة-بقي/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى