إبداعات أدبيةصلاح سلاممانشيتات

دكتور صلاح سلام يكتب..مازال للقصة بقية (الجزء الرابع)

ونزل الخبر على طارق كرشقة ماء بارد فوق الرأس في يوم قائظ وتلعثم لسانه… لمن يجب ان يتكلم ؟ وكيف التصرف؟ ولم يجد امامه الا ان يهاتف خاله علي الذي تلقى الموضوع بكثير من الهدوء…هل انت متأكد من زميلك؟ عندما رأه الم يتحدث معه؟ ربما احدا يشبهه!! وحتى لو كان هو كيف نستطيع ان نجده في هذه الجموع الثائرة التي تشغل ميدان التحرير وروافده….يا خال احنا بنتعلق في قشة ومش هنخسر حاجة…طيب انتظرني سوف احضر اليكم حالا….وفي غضون الساعة وصل العميد علي الضابط السابق بالقوات المسلحة وتم النقاش وجها لوجه وفي حضور اخته صفية واحمد…وكل منهم يحذوه الامل ان يجدوا ضالتهم…وان كان علي له رأي اخر..وهو ان الرجل يعرف ببته ولو كان يريد العودة لو كان على قيد الحياة لعاد…ولكن احمد له رأي اخر ربما يكون استقاه من المسلسلات العربية التي يراها..انه ربما يكون والده تعرض لحادث سير افقده الذاكرة وان مستنداته الشخصية قد فقدت فلم تستطع المستشفى ولا الجهات الاخرى الاستدلال على شخصيته واهله فهام في بلاد الله….وركبوا جميعا سيارة علي متجهين الى القاهرة ومعهم صفية التي اصرت على ذلك وقد وضعوا خطة فيما بينهم في الانتشار في ميدان التحرير وصديق طارق معهم بحيث كل واحد يبحث في مثلث وتكون لهم نقطة التقاء عند منتصف الليل …وعندما وصلوا الى الميدان وجدوا ان التحرك في وسط هذه الجماهير الهادرة سوف يكون صعبا …ولكن ليس هناك خيار…وبين الشعارات المدوية…يسقط يسقط حكم المرشد…والجيش والشعب ايد واحدة…ولافتات مرفوعة تحث وزير الدفاع الفريق السيسي على التدخل وتعلوا صور الرئيس عبد الناصر وهو الرمز الدائم للتحرر الوطني والذي كان له موقف ثابت من الاخوان بعد ان حاول يشركهم في الحكم ولكنهم اتبعوا منهجهم القديم حتى كادوا ان يغتالوه في حادث المنشية ١٩٥٤ في الاسكندرية استكمالا لسلسلة الاغتيالات التي طالت بعض خصومهم قبل ثورة ١٩٥٢ مثل القاضي الخازندار وغيره واحتدم الهتاف وبلغت القلوب الحناجر فقد كان ذروة الخروج مساء يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ …وانطلق طارق واحمد وخالهم علي والست صفية وخالد صديق طارق يغربلون الميدان…ولكن كمن يبحث عن ابرة في كومة قش…وباتوا ليلتهم في احد اللوكاندات القريبة من الميدان بعد ان انهكهم التعب ولكن الامل مازال يعرف طريقه الى قلوبهم كلما حاولت العقول تنفي احتمالية وجود ضالتهم….واستمر البحث وبنفس الطريقة بمسح الميدان حتى مساء يوم ٣ يوليو بعد ان اعلن القائد العام للقوات المسلحة تعطيل دستور الاخوان وحل مجلس الشيوخ وتعيين رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا للجمهوربة…وقد اذاع البيان وحوله قادة الافرع الرئيسيةللقوات المسلحة وبعض قادة القوى المدنية ومجموعة من شباب حركة تمرد التي قادت العمل على الارض باستمارات ترفض حكم الاخوان قاربت الثلاثون مليون وبحضور شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب والبابا شنودة…وعلا صوت الجماهير وكاد يطال السماء..وصدحت شادية ياحبيبتي يامصر..وام كلثوم…انا تاج العلاء في مفرق الشرق..وعبد الحليم حافظ بحلف بسماها وبترابها..وعبد الوهاب انا الشعب انا الشعب…ولم تنم الجماهير ليلتها من الفرح وهي الليلة التي كان ماكان بعدها….وقضت اسرة محمد شديد ليلتهم في وسط الجماهير المحتفلة وهم يلعقون احزانهم ليعودوا من حيث اتوا بخفي حنين…وهكذا تأبى هواجس عودة الغائب ان تفارق خيالهم ويحللون دقائق الامور ويجدون لكل سؤال مخرج فعندما استبعد علي ما ذهب اليه الشاب احمد من خيال الدراما معللا انه لو ان ماحدث لمحمد شديد صدفة اثر حادث افقده الذاكرة..اذن لماذا ترك توكيل عام رسمي بكل شئ لصفية الا اذا كان ناوي على الانتحار او السفر الى المجهول ونظرا لانه لايحمل اي تأشيرة فلا يمكن السفر …فيرد احمد انه ياخال ربما مصادفة انه حرر هذا التوكيل لأمي تحسبا لاي طارئ كمن يكتب الوصية مثلا ويتركها..هل هذا يكون ايذانا بالموت او الانتحار؟ وبين التصديق والتكذيب والامل والسراب يتجاذب المهمومين اطراف الحديث الذي امتد لسنوات مابين الحقيقة والرجاء…وظلت تدور عجلة الحياة ..هكذا طارق يجد عملا في احد شركات شحن السفن في الاسكندرية ولكنه لايريد ان يترك والدته…و يتدخل خاله علي ليقنعه ان احمد في السنة النهائية للكلية واصبح رجلا يعتمد عليه واننا هنا موجودين حولها وانت سوف تأتي في اجازة نهاية الاسبوع ولامانع ان تذهب لتقيم معك لبعض الوقت في الاجازات وان كانت لاتحب ريح تلك الشقة التي سبقتها اليها زوجة محمد السابقة…ولكن اين محمد الان؟..وقد كانت الفرصة تستحق…. وشجعته والدته وامتثل لرغبة الجميع وسافر الى الشاطئ الذي بدأ فيه والده قصته الاولى وفي نفس الشقة التي شهدت زواج لم يثمر ولم يستمر …وبدأ طارق محمد شديد يمضي في رحلة تمنى على الله ان لاتكون مثل رحلة والده الذي احبه ومازال على عهده حيث يرى انه لم يرى في حياته الا الشقاء والعمل والكد وعندما يعيد شريط الذكريات تحدثه نفسه ..كم كنا نثقل عليه كل منا يريد ان يحقق طلباته واحلامه وطموحاته دون ان نسمع اناته ونحن صم ولا ضحكته فكنا عمي فقط كل منا يريد ويريد ولانكترث ابدا بساعات صمته ولا لحظات شروده …ترى كم مرة اغلق على نفسه بابه وبكى وكم مرة خرج يحدث نفسه عائما في شوارع مدينتنا المكتظة ليلا وربما كان يذهب ليشكوا همه قرب الضريح او بجواره فهو صوفي النزعة ولكن لايؤمن بطقوس الصوفية التي تخرج عن المألوف…ابدا مستحيل ان يكون ابي قد انتحر ولو كان فأين جسمانه… فلا هو في مواكب الصوفيين المجذوبين باولياء الله الصالحين ليتبعهم الى الموالد ولا هو في صفوف الاحياء ولافي عداد الاموات…اللهم انا نسألك الثبات….اياك ان تبلفك واحدة من بنات اسكندرية …ربنا يحميك دة انت سندنا وظهرنا… يأتي صوت الست صفية من بعيد..حاضر يامة …انا مش همعمل غير اللي يرضيكي…ومش هتجوز غير اللي توافقي عليها وياريت انتي اللي تنقيها علشان لما يحصل منها حاجة متقوليش انت عملت زي ابوك….ربنا يرد غيبته… طيب ماشي ياطارق ياابن بطني بتريحني في الكلام …ربنا يديك مناك ويبعد عنك كل شر ويطرحلنا البركة فيك وفي اخوك….وعاش طارق بين امواج الاسكندرية التي تعلو وتهدر شتاءا وتهدأ او تكاد صيفا فالعمل اغلبه في الميناء وميداني والقليل في مكتب الشركة…ومن الطبيعي ان يتعرف على كل زملاء المهنة وكافة انشطة البحر وحكايات التهريب والجمارك وقصص اقرب للخيال اغتنى منها علية القوم واخرى كانت سببا في خسف اخريين الى ابد الأبدين…..وليس صدفة ان يكون معظم رجال الميناء من الصعيد فقد اتوا منذ زمن وكانوا يبدأون من الصفر مجرد عامل في الميناء الى ان يصبح رئيس عمال لمقاول انفار لصاحب سيارة نقل لصاحب ونش الى ان يصبح صاحب شركة شحن وتفريغ ثم صاحب املاك….مر اكثر من عام في عمله واصبح معروفا لدى اقرانه بكل الصفات الطيبة وتخرج احمد من كلية التربية… وبدأ حديث ضرورة الخطبة والزواج وكيفية تدبير الامر..فليست موانعه كبيرة فلديه الشقة وكل المطلوب هو تجديدها والشبكة والمهر…وعندما لاح لصفية خاطر ان تزوج ابنها لابنة اخيها التي ارتاح اليها وتود ان تطمئن عليه وهو في احضان بنت الحلال التي هي قطعة منها….فاتحته في الامر…فما كان منه الا ان قال انا عند وعدي يامة واللي تشوفيه انا موافق عليه …وهنا بدأت صفية تفتح الباب اولا ..ان تصطحب اخيها لتساقر الى البلد لتبيع جزء من الارض التي ورثها زوجها عن ابيه بعد ان دخلت في كردون المباني كما تنبأ حضرة العمدة الذي نصحها من قبل بعدم التسرع في البيع..وقد صدق وعده..وقليل من الناس في زماننا صادقين ولكن يبدوا ان الرجل كان ورثه حلال وخطواته لايشوبها ما يشين فكل ماترك ومن ترك كان يمشي بما هو مقدر له في سلاسة ويسر قد تعجب له..ولكنها اقدار وربما حظوظ..فيكفيه من سوء الحظ ما لاقاه وربما كان ذلك امتحان او تكفير ذنوب لم يقترفها…. واستطاع العمدة تدبير المشتري لجزء من الارض مسبقا…. وقبضت الست صفية الثمن بعد ان وقعت على العقد بموجب التوكيل الذي تحمله من زوجها التي ادعت انه مسافر حينما سألها عنه المشتري حتى لاتفسد سير الاجراءات التي تم الاتفاق عليها….وفي طريق العودة فاتحت اخيها في امر ابنته عروسا لابنها …فأطرق صامتا وبعد برهة قال لها لابد ان نأخذ رأيها الاول لأن هناك من تحدث لامها من قبل وكانت ترفض الزواح من حيث المبدأ لانها تريد ان تكمل دراستها العليا وتحقق طموحها في عمل مرموقا باحد الشركات متعددة الجنسيات…فقطبت صفية جبينها قائلة هي هتلاقي اجدع ولا اطيب ولا احسن من طارق..والنبي بلا دلع بنات…هحاول يااختي وربنا بجيب اللي فيه الخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى