إبداعات أدبيةصلاح سلام

دكتور صلاح سلام يكتب..مازال للقصة بقية !

الفصل السادس

في رحلة القطار التي تستغرق تقريبا اثني عشر ساعة بين نوم ويقظة في النوم احلام باللقاء ونهاية هذه المواقف الدرامية وفي اليقظة حديث يدور بين عبد الباسط وطارق عن ابيه وكيف كانت حياته معهم ..هل كان منطويا ويميل الى الوحدة؟ كيف كانت علاقته بك واخيك هل كان ودودا؟ ويجيب طارق باجابات مقتضبة ولايستطيع ان يفهم ان كان هذا وقت تلك الاسئلة ام لا؟ ولكن السيدة صفية كانت في ملكوت اخر تسرح مع نفسها وتكاد الافكار تنهش رأسها..ترى لماذا تركنا..هل كنت ثقيلة الى هذا الحد..لقد كان يجلس بين يدي …كيف فقدته؟ والان ادوخ من بلد الى بلد ابحث عنه..وماذا لو وجدته..هل سيعود معنا ام انه بدأ حياة اخرى..هل تزوج؟ ياللهول لو كان تزوج لامزقنها اربا…هل تحبيه؟ لا اعرف ولكني افتقده…اذن لماذا كل هذا البحث؟…لأن اولاده يريدون ابا يشاركهم قرارهم وفرحتهم وامور اخرى لاتخص الا الرجال تقف النساء حائرة في امرها منها…ترى لو كان محمد موجود وطلب خطبة ايمان بنت اخي لطارق هل سيكون نفس الرد؟ هل الحب مجرد احتياج ام انني احبه احتياجا لتكتمل حياتي؟ والا لماذا تفطعين المسافات بطول البلاد وعرضها تبحثين عنه…ولكني يجب ان اعترف انه ذنبي وقليل من البشر يبوء بذنبه الا لخالقه هذا اذا كان من عباده الذين يحملون بين طيات ضلوعهم نفس لوامة….تنتبه صفية الى ان طارق قد افاق من غفوته فتخبره بما دار بينها وبين اخيها علي في طريق العودة من بسيون الى طنطا حيث فاتحته في خطوبة ايمان وماجاء على لسانه من ضرورة اخذ رأيها ولم تزيد…فما كان من طارق الا ان قال ان هذا امر طبيعي وخاصة انه زواج صالونات فليس بيننا الا اواصر القرابة ولكن المهم ان يكون هو موافق وهذا نصف الطريق….انت عارف اني اخدته معايا ساعة بيع الارض مخصوص علشان يعرف ان ليك ضهر وسند وانك عندك شقتك وكمان تقدر تفرشها وتوضبها من خير ابوك..ما انا كان ممكن اروح انا وانت بس انا كنت قاصدة وعشان كدة فتحته في الموضوع واحنا راجعين …ما انا عارفة النفوس كتير منها ميال للفلوس…ياماما الفلوس مش كل حاجة المهم ربنا يهدينا للصح.. فترد ان شاء الله هوة دة الصح…على خير…فاضل كتير ونوصل…هانت ياما ان شاء الله…وربنا يعوض صبرنا خير….ويخترق القطار سكون الليل في وسط الحقول التي لاترى منها الا بصيص من النور وقرى مازلت مبانيها بدائية واكوام القش تعلوها وغابات القصب تداعبها رياح الصيف وصوت القطار يعلو على كل الاصوات التي خفتت الا من صوت شخير هناك وصفير صوت الهواء من النوافذ الزجاجية التي لم يمر عليها رجال الصيانة ربما من قبل ثورة يناير…المهم ان ربنا يسترها ونوصل بخير انت عارف حوادث القطرات يا طارق يااخويا وربنا يعافينا هكذا شق صوت عبد الباسط صمت الحديث دة ياما شفنا ياخالة من عجايب ساعة توصل وساعة نقعد يومين لو عطل على ما يجيبوا قطر تاني..اما الحوادث ربنا يعافينا….ومع بدأ بزوغ الشمس قارب القطار ان يصل وجهته …ومن المحطة لابد من ركوب ميكروباص الى فرشوط تكون المحلات فتحت…وفي الركوبة الثانية يكون الحديث صعب والنوم اصعب فالاجساد ملتصقة الا من غفوة غلبها النعاس ومع سماع صوت السائق الاجرة ياحضرات …اذن وصلنا…وتوجهنا مباشرة من الموقف الى محل محمد شداد بتوكتوك…وامام المحل تسمرنا ننظر الى صاحبه الذي لم يكترث لوجودنا ودخلنا عليه لنشتري بعض الطلبات الغير ضرورية..وعبد الباسط يساله ياعم محمد دول ضيوفنا من طنطا …اهلا وسهلا يامرحب شللاه يا سيد يابدوي يرد الرجل…وهنا يمتعض وجه صفيه… ويكمل عبد الباسط هو انت اصلا منين ياعم محمد …انا من السيدة زينب بس امي من قنا وانا حبيت ارجع لاصل اخوالي حاكم همة يحبوا جوار سيدي عبد الرحيم القناوي….يتفحص طارق وجه عم محمد القريب من ملامح والده ويقول له فيك شبه كبير من والدي ربنا يرد غيبته…هوة مسافر ياولدي…اه يا يا حاج وتعرف انه اسمه محمد شداد على اسمك….ربنا يرده بحال السلامة… لينا الشرف دي نقبة للعيلة لانهم عم يقولوا ان جدي كان فارس وحلو اللسان كيف عنتر ابن شداد علشان كدة طلعت على العيلة نقبة شداد…وهنا ادرك شهر زاد ان كل شئ راح وانقضى واللي بينا خلاص مضى….وذهبوا مع عبد الباسط لضيافتهم وادركوا ان ليس لهذه الرحلة من فائدة سوى انهم يزوروا سيدي عبد الرحيم القناوي قبل ان يركبوا قطار العودة ..فقد قالت صفية اول ماسمعت صوته ادركت ان هناك خطأ في العنوان وبنية الجسم والطريقة…كما انه يعرف نفسه واصله وفصله وجدوده واخواله ومولده فلا مجال للشك انه اتى من مكان اخر…وانقطع الشك باليقين…فمتى يحين موعد قطار العودة…انه في المساء…اذن نتوكل على الله…والله ماينفع لازم تباتوا حدانا اياكش داخلين على ارامل…تعالوا بس ريحوا جتتكوا الاول وهناكل لقمة…واستقبلهم اهل الدار بالترحاب وان كان يملأهم الاسف انهم لم يجدوا ضالتهم ولكن هذا هو الانسان خلق في كبد وعليه السعي اما ادراك النتائج بيد الله..فان من تظنه خيرا قد يكون عكس ذلك “وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم” صدق الله العظيم وبين الضيافة والشاي الصعيدي وحلاوة الحديث وطيبة القلوب و حلاوة النفوس واصرار اهل الدار على المبيت والصباح رباح مع اول قطار بعد صلاة الفجر في سيدي عبد الرحيم..نعم فهنا ينام الناس بعد صلاة العشاء فيطول الليل لمن نام وقلبه خاليا”وماينام الليلةغير ابو قلب خالي” ويطول النهار لمن كان في ملكوت الله ضاربا باحثا عن الرزق …فاطرقت صفية تبحث عن النوم فلاتجده حتى لاحت بشائر الفجر وايقظت طارق وكانت ربة البيت قد اعدت لهم الزوادة من خير البيت والغيط وحملتهم سيارة ابن عم عبد الباسط وهو معهم الى قنا للوفاء بالندر والصلاة والدعاء ثم الى محطة القطار الى القاهرة فهو المتاح في هذا التوقيت وبعدها يفعل الله ما يشاء…ولن يكن طريق العودة في وضح النهار وفي سطوع الشمس افضل من رحلة الذهاب الليلية…ولكن اهيه علقة على راي صفية…اهوه ابوك ربانا لو كنا ناقصين تربية…الله يسامحك يامحمد قالتها بصوت وتنهيد..فلاتعرف اهي انتقام ام دعاء!! وبالطبع قد ابلغوا احمد بما دار وقال لهم العميد علي ..طبعا كما توقعت …ولكن انتم معذورين فالتشبث بالامل قد يجعل السراب ماء حتى ندركه فنكتشف الحقيقة…وبدأ الجميع يستسلم لفكرة ان الرجل اما ان يكون قد فارق الحياه وهو امر مستبعد حيث تم ابلاغ كل اقسام الشرطة..ولكن هناك فرضية الغفلة او عدم الاكتراث ويحدث ذلك ويتم دفن بعض المفقودين بمقابر الصدقة ولكن محفظته بها بطاقته …الا اذا كانت قد فقدت في الحادث …او ان يكون قد غادرالبلاد بشكل او بأخر وخاصة ان جواز سفره وبطاقته غير موجودين ..وان كنا نعلم علم اليقين انه لم يحصل على اي تأشيرة سوى لعمرة منذ اكثر من عشر سنوات مع اللجنة النقابية بالشركة التي كان يعمل بها …وماذا بعد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى