دكتور صلاح سلام يكتب....يوم الخبيز
كان الفرن الطيني الذي يقبع في اقصى يمين الدار تحت عريشة خشبية يغطيها جريد النخيل هو مصنع المعجنات في بيت الحاجة وهيبة”ياسمين” حيث يتم انتاج الخبز البلدي و”البيتزا “والكعك والقرص السادة وقرص”بتشديد الراء” العجوة والكماج والاخير هو اشبه بالرغيف ولكنه معجون بكثير من الزيت او السمن..واحيانا يتم تسوية بسكويت النشادر…حيث تتبوأ الحاجة وهيبة مقعدها امام الفرن في ساعات الصباح الاولى وربما تنتهي بعد اذان العصر ..هذا اليوم تسبقه بعض الطقوس واولها ان اذهب لانبه على الجيران بطول الشارع ان يقوموا بتحضير العجين فغدا سوف نشعل نيران الحب والود والخبز ايضا..فيستجيب من يريد وتبدأ امي بتحضير كمية من الاخشاب وجريد النخل ويقوم احد الاخوة بتقطيعها لتناسب دخلة الفرن حيث منطقة الاشعال من فوهة كبيرة نسبيا تحت” العرصة” وهي دائرة اسمنتية بها جزء مشطوف يسمح بمرور النيران من اسفل الى اعلى لتسوية سطح الخبز او اي محتويات توضع عليها ويعلوها القبو الطيني الذي يحتوي على فتحة صغيرة للتهوية والتي كانت تضع عليها الحاجة وهيبة “ياسمين” الحنونة بتسكين النون الاولى”البيتزا” حيث انها عبارة عن رغيف من العجين الدائري سميك الاطراف ويتم كسر بيضتين على سطحه مع الفلفل الاسود والملح ويترك على النار الهادئة على”الشاروقة” وما ان تنضج تضع حلة العدس حيث لاطبيخ اليوم فهي مشغولة بقيادة سيمفونية الخبيز لنا وللجيران حيث تمسك في يدها عصا الموسيقار وهي عبارة عن سيخ حديد معكوف الطرف تمسكه بقطعة قماش وفي نهايته انثناءة خفيفة ليصبح كالخطاف”المصماع” لجذب ارغفة العيش الساخنة من داخل الفرن او صواني الكعك في ايام الاعياد…وهكذا يستمر العزف حتى تستبدل كل زائرة طاولة عجينها بارغفة ساخنة شهية…ولايجب ان ينتهي اليوم الا وقد صدر لي امر التكليف بان احمل عينات من العيش الطازج الى حبايب امي من الجيران الذين لم يشاركوا في مهرجان الخبيز فليتذوقوا نشوة الاستمتاع بحلاوة لحن الوفا….ويتكرر اليوم ذاته في مكان اخر وفي يوم اخر ولكن ليس بنفس الطعم ولا التحضيرات فلاشئ سوى ملئ الاناء الفخاري المخروطي الشكل “اللقان”بالعجين وتحويله الى كرات صغيرة على طاولة خشبية وارساله الى الجيران ليعود خبزا…استعرضت هذا المشهد وعدت بذاكرتي عقودا وانا ارى مهجري قطاع غزة قرب رفح وسيدة تجلس امام نفس الفرن الطيني وتمسك نفس السيخ الحديدي وسيدة اخرى تشعل النار بالحطب وحولها النسوة بطاولات العجين والاطفال يتخاطفون بعض من الخبز يأكلونه بنهم الجائع وينظرون الى عين الفرن بشغف ولهف… نعم ربما يكون نفس الفرن ولكن مع الفارق…فالاول تحت الفقر لكن بكرامة..والثاني تحت القصف والخوف والجوع والحرمان…وكلاهما يثير الشجن ولكن بدرجات
دكتور صلاح سلام يكتب….يوم الخبيز