آراء حرةعبد الحليم قنديلعربي ودوليمانشيتات

دكتور عبدالحليم قنديل يكتب..الحرب على حزب الله

    قد نتفهم دواعى اعتراضات كثيرة على “حزب الله” اللبنانى ، بعضها له أسباب معقولة ، كما اعتراضات البعض على سوابق انغماس الحزب فى مستنقع الاحتراب الطائفى داخل سوريا ، وكان يجدربالحزب أن ينأى بنفسه عن ثارات الدم الطائفى ، وإن كان الحزب وأنصاره يدفعون بحجة الضرورة ، وأن سيطرة جماعات التكفير فى سوريا تهدد النسيج الطائفى الحساس داخل لبنان ، فوق مخاطر قطع الطريق على إمدادات الأسلحة القادمة من إيران ، و”حزب الله” لا يخفى ولا يتخفى بعلاقته العقائدية مع نظام “الولى الفقيه” فى طهران ، وقد قالها الأمين العام للحزب السيد “حسن نصر الله” ذات يوم غير بعيد ، قالها صريحة قاطعة “أكلنا وشربنا وسلاحنا” يأتى من إيران ، وطبيعى أن تكون لاعتبارات ونفوذ وسياسة إيران أولوية عند “حزب الله” ، لكن هذا لا يبدو الأكثر إزعاجا لقادة وممولى الحملات الناطقة بالعربية ضد “حزب الله” و”حسن نصر الله” ، وما يخيفهم بالأساس ، هو موقف الحزب ضد كيان الاحتلال الإسرائيلى ، وأغلبهم فى حالة ولاء مباشر وغير مباشر للكيان “الإسرائيلى” .

   وبعيدا عن سخافات التنابز الطائفى المهلك ، تظل الحقائق فوق الأرض ناطقة ، فلا شئ يهدد “إسرائيل” وجوديا فى الشمال أكثر من قوة “حزب الله” ، وتاريخه المؤسس لموجة حركات المقاومة من نوع مختلف ، وبعد هجوم السابع من أكتوبر المزلزل ، الذى نفذته “حماس” وأخواتها انطلاقا من “غزة” ، ودونما تشاور مسبق مع إيران ولا مع “حزب الله” ، وما تبعه من حرب إبادة جماعية “إسرائيلية” أمريكية ضد أهل “غزة” ومقاومتها المذهلة ، لم ينأ “حزب الله” بنفسه كأغلب الأطراف الناطقة بالعربية ، ولم يقل للمقاومين فى “غزة” ، إذهبوا فقاتلوا وحدكم إنا ههنا قاعدون ، بل بادر الحزب بالمشاركة القتالية من أول يوم ، وأعلن ما أسماه حرب المساندة والنصرة ، وأدار أعمالا قتالية محسوبة بدقة وبعناية ، فالداخل اللبنانى المأزوم والمخترق المحترق سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، لا يحتمل ولا يريد حربا واسعة ، سعى ويسعى “حزب الله” إلى تجنبها ، وظل يوسع فى مساحات وقواعد الاشتباك عند الحدود مع فلسطين المحتلة ، وأتاح لفصائل فلسطينية ولبنانية فرصا للمشاركة فى القتال ، وربط إيقاع المشاركة فى الاشتباكات بما يجرى فى “غزة” ، وأعلن بوضوح أنه لن يتوقف عن الاشتباك ، إلا إذا توقف العدوان الوحشى البربرى على “غزة” ، ونجح الحزب فى إيلام “إسرائيل” على نحو تصاعدى مدروس ، وأجبر جيش الاحتلال على سحب نحو ثلث قواته إلى جبهة الشمال مع “حزب الله” ، بعد أن اضطر العدو إلى تفريغ مستوطناته القريبة من نيران “حزب الله” ، وإجلاء مئة ألف “إسرائيلى” على الأقل إلى مدن الداخل المحتل ، وراح “حزب الله” يمد فى الجبهة عرضا وطولا ، وضم جبهة “الجولان” المحتل إلى جبهة “الجليل الأعلى” ، وراحت صواريخه ومسيراته تضرب من “المطلة” و”كريات شمونة” و”نهاريا” وصولا إلى “عكا” ، وبدت الضربات منهكة لكيان العدو ومحطمة لمعنوياته ، وكاشفة لعجزه عن ردع “حزب الله” ، رغم التوسع المهول فى غارات طيران العدو وصولا إلى “بعلبك” ، وارتقى المئات من شهداء الحزب وجمهوره ، ومن دون أن يخفى الحزب معلومة واحدة عن قادته الذين استشهدوا ، وأدار جنازاتهم فى قراهم الجنوبية وغيرها بمواكب فخار جليلة تحت النار ، بينما توجهت أسلحة الحزب إلى قواعد العدو العسكرية فى شمال فلسطين المحتلة ، والرد على تدمير “غزة” بتدمير مقابل فى مستعمرات الشمال و”الجولان” ، تزايد أثره إلى حد النسف شبه الكامل للمبانى فى “كريات شمونة” و”المطلة” بالذات ، وإشعال حرائق أتت عل عشرات الدونمات من الغابات والأحراش ، وكثف الحزب من استخدام صواريخ “بركان” قصيرة المدى ، التى تحمل شحنات تفجيرية تصل الواحدة منها إلى نحو نصف طن ، وبدت مسيرات الحزب أكثر دقة ، وأكثر ذكاء وخداعا لمنظومات الدفاع الجوى “الإسرائيلية” ، وأعظم إصابة لتجمعات الضباط والجنود “الإسرائيليين” كما جرى مثلا فى “عرب العرامشة” وأخيرا جنوب مستعمرة “الكوش” ، ثم بدت مقدرة الحزب متزايدة على إسقاط أخطر وأغلى مسيرات العدو ، واستخدم صواريخ أرض جو أسقطت عددا من مسيرات “هيرميس 900” ، وفى اشتباكات الاستنزاف المتبادل ، تآكلت مقدرة حكومة وجيش العدو على الاحتمال ، وانفلتت التهديدات ، وعلى ألسنة الكافة ، بدءا من “بنيامين نتنياهو” رئيس الوزراء إلى “يوآف جالانت” وزير الحرب إلى “هيرتزى هاليفى” رئيس الأركان إلى الوزير “إيتمار بن غفير”، كلهم يهددون بحرق لبنان وإعادته إلى العصر الحجرى ، وتدمير بيروت على طريقة ما جرى فى “غزة” ، ومن دون أن يغير حزب الله من لهجته وموقفه الراسخ ، فلا وقف للضربات على العدو إلا بوقف حرب “غزة” ، ولا قبول لأى ضغوط غربية محمومة بسحب قوات نخبة “حزب الله” إلى شمال نهر “الليطانى” ، ولا تراجع عن تكثيف ضربات الصواريخ ، التى وصلت فى شهر مايو الماضى إلى ألف صاروخ ، مع إبداء الجاهزية والاستعداد لخوض حرب شاملة إذا بدأتها “إسرائيل” ، والعدو بالمقابل يعرف مدى قوة “حزب الله” ، ويعرف أن لدى الحزب ترسانة صاروخية بمئات الآلاف كثير منها دقيقة التوجيه ، ويعرف مدى تمرس “قوات الرضوان” ـ نخبة “حزب الله” ـ فى القتال ، وحيازتها لشبكات أنفاق أسطورية تحت الأرض والجبال ، ويعرف أنه قد يكون بوسعه إحداث دمار هائل فى لبنان ، لكنه يعرف أيضا قدرة “حزب الله” على إلحاق الدمار بالكيان ، واستطاعته الوصول بالصواريخ والمسيرات إلى “حيفا” وما بعد “حيفا” ، ومن هنا يأتى التردد العسكرى لجيش العدو ، الذى يلقى هزائم القتال وجها لوجه مع “حماس” وأخواتها فى “غزة” ، ويقدر قوة “حزب الله” بأنها عشرة أضعاف قوة “حماس” ، ويقدر بأن “حزب الله” لم يستخدم من قوته وأسلحته سوى 5% لا غير فى الثمانية شهور الأخيرة ، وأن “حزب الله” يعلم عن الداخل “الإسرائيلى” بأكثر مما تعلمه حكومة “إسرائيل” نفسها ، وقد لفت النظر ما جرى قبل أيام على شاشة إحدى القنوات التليفزيونية “الإسرائيلية” ، كانت تستضيف عضوة فى “الكنيست” عن “حزب العمل” المعارض ، وكان النقاش محتدما حول ما يجرى من دمار فى الشمال “الإسرائيلى” ، وعن وعد “نتنياهو” ومجلس حربه بإعادة سكان الشمال النازحين فى أول سبتمبر المقبل مع بدء العام الدراسى ، وقالت عضوة “الكنيست” أنها لا تثق بوعود الحكومة ، وأنها لا تصدق أن ذلك ممكن ، إلا إذا أعلن عنه “حزب الله” و” نصر الله” ، وكانت المفاجأة ، أن وصلتها رسالة فورية من “حزب الله” على هاتفها الشخصى المحمول ، تقول أن سكان المستعمرات لن يعودوا إلا إذا توقف العدوان على “غزة” ، وقد يكون “نتنياهو” راغبا فى إشعال حرب واسعة مع “حزب الله” لأسبابه الشخصية ، وهو ما اعترف به حتى الرئيس الأمريكى “جو بايدن” فى لقاء تليفزيونى أخير ، قال فيه بالحرف أن “الناس لديها كل الأسباب للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو يريد مواصلة الحرب لضمان بقائه السياسى” .

   كان “بايدن” يعبر هو الآخر عن ضيقه بمراوغات “نتنياهو” ، وسعيه إلى تخريب “مبادرة بايدن” التى أعلنها بنفسه ، وحرص على تسميتها بالمقترح “الإسرائيلى” ، وحذر من الأثر المدمر لاستمرار حرب “غزة” على أمن “إسرائيل” ، ودعا إلى خطة ثلاثية المراحل لإنهاء الحرب ، بدأت مفاوضاتها بالفعل فى العاصمة القطرية “الدوحة” ، وفيما بدت “حماس” مستعدة للنظر بإيجابية ، مع التأكيد على أولوية أهدافها فى الوقف الدائم لإطلاق النار ، وإعادة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم دونما قيد ولا شرط ، والانسحاب “الإسرائيلى” الكامل من “غزة” ، وهى الأهداف التى قبلت “حماس” من أجلها ما عرف إعلاميا باسم “المقترح المصرى” فى 6 مايو الماضى ، بينما ردت “إسرائيل” وقتها بشن عملية غزو “رفح” ، ومن غير أن تحقق حرب الإبادة أيا من أهدافها المعلنة والمخفية ، وهو ما دفع واشنطن إلى إعلان مقترح الفرصة الجديدة ، بينما بدا المشهد “الإسرائيلى” مضطربا ، وتحدث “نتنياهو” مجددا عن وهم القضاء على “حماس” قبل وقف الحرب ، وعن وضع شروط انتقال إلى المرحلة الثانية من “خطة بايدن” ، وبهدف عرقلة الانتقال إلى الوقف الدائم لإطلاق النار ، وهو ما يجعل الفرصة الجديدة قريبة وبعيدة فى الوقت نفسه ، فالتفاصيل مسكونة بالشياطين ، والخلاف بين إدارة “بايدن” وإدارة “نتنياهو” يبدو عائليا ، يريد فيه “بايدن” ضمان بقائه السياسى أيضا فى انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة ، ويتصور أن جلب الهدوء قد يساعده ، بينما مصالح “نتنياهو” الشخصية على الطرف العكسى ، ويريد استمرار الحرب فى “غزة” ، وربما مدها إلى لبنان ، بينما يمتنع “بايدن” حتى تاريخه عن إعطاء الضوء الأخضر لحرب واسعة على لبنان و”حزب الله” ، ويخشى أن يدهسه قطار “ترامب” فى محطة انتخابات 5 نوفمبر المقبل .

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى