دكتور علاء رزق يكتب.. بعد عام من إعداد المسرح الروسي الأوكرانى
بعد عام من إعداد المسرح الروسي الأوكرانى
بعد مرور عام ما زالت الأزمة الروسية الأوكرانية تشكل الحدث الأبرز على الساحة الدولية، ومع ذلك تبقى حالة الترقب تلازم مجرياتها والنتائج التي ستنتهي إليها، ويبقى الغموض سيد الموقف حيال الأسباب والشروط والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى توقفها.
هذه الازمه التي لم ترتقي بعد إلى درجه الحرب، وهذا من حسن الحظ ،لأنها ما زالت تجري في حدود أوكرانيا ولم تمتد الى ما ورائها ، وبما أفرزته هذه الأزمة من زيادة حالة عدم اليقين الذي إنتاب الإقتصاد العالمي، لذا فإن أحدا لا يضمن إستمرار الوضع على هذا الحال في الأيام القادمة ،فالصراع في أوكرانيا صراع إستراتيجي، تسعى أطرافه ليست فقط روسيا واوكرانيا، ولكن ما وراءهم مثل أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين ،الى تحقيق أهداف أكبر من مجرد أرض تتمثل في شبة جزيره القرم، او الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا ، وهى لوجانسك ، ودونيتسك. وزابوريجا ، وخيرسون. فقد زادت الأزمة الروسيه الاوكرانيه من حدة النزاعات والمواجهات، فضلاً عن الإتجاه العالمي الحالي للدول لتشكيل كتل تتمحور حول واشنطن وبكين. وتحول العالم إلى عالم غير منظم متعدد الأقطاب كل شيء فيه سلاح: الطاقة والبيانات والبنية التحتية والهجرة. … الجغرافيا السياسية هي المصطلح الأساسي، كل شيء جيوسياسي. وقد دخلت فيه الصين التى كان عليها أن تفكر في الحرب من منظور هدفها الاستراتيجي طويل الأمد المتمثل في أن تصبح القوة الرائدة في العالم بحلول عام 2049. على الرغم من أن بكين تدعم موسكو، إلا أنها تجنبت القيام بتحركات قد تنفر الغرب منها.ولكن من الواضح أن هناك كتلتين، واحدة أميركية وأخرى صينية مع حلفائها وروسيا، فهل ستصبح أوروبا كتلة ثالثة أم لا، أم ستتحالف مع الأميركيين؟
وهو الأمر الذى يدعمه القائد الأميركي في اليابان الذى أكد إنه يمكن استخلاص الكثير من العبر من الحرب بشأن نزاع محتمل مع الصين حول تايوان”. وقال بيرمان بعد العدوان الروسي في عامي 2014 و2015، استعدينا بجدية لنزاع في المستقبل: تدريب الأوكرانيين والتخزين المسبق للإمدادات وتحديد المواقع التي يمكننا من خلالها تقديم الدعم، نحن نسمي ذلك إعداد المسرح. ونقوم بإعداد المسرح في اليابان، في الفيليبين، وفي أماكن أخرى .ولكن على المستوى الاقتصادي اثبتت الأزمة الروسية الأوكرانية، صمود الإقتصاد الروسى، وأنه قادر على الإستمرار فى هذه الأزمة، مع إرتفاع الفاتورة العالمية ،سواء فى معدلات الإقتراض العالمى، أوصعوبة الدول فى القدرة على الوفاء بالتزاماتها، وإرتفاع فى أسعار الطاقة والغذاء، وتحرك بنك الاحتياط الفيدرالى الأمريكى فى دورة من رفع الفائدة ،وان هذا الوضع سوف يتفاقم في حاله نجاح روسيا في حشد عمليه شامله بعد هذا الشتاء للاستيلاء على مدينه أوديسا التي تعتبر الميناء الرئيسي لأوكرانيا على البحر الأسود لتصدير معظم المنتجات الأوكرانية إلى العالم، وبالتالي فإن نجاح روسيا في ذلك سوف يجعل من أوكرانيا دوله حبيسة لا شاطئية، بعد ان فقدت موانيها على بحر أزوف ، خلال الفترة الماضية ، وما يمكن أن يحمله ذلك من مخاطر محاوله استيلاء روسيا على العاصمه الاوكرانيه كييف ، واسقاط النظام الحالي، وهو ما يحمل الاقتصاد العالمي تكاليف باهظة لا يستطيع تحملها الآن بعد سلسله الازمات العالميه المتتالية. ولكن الأخطر تركته الأزمة الروسية الأوكرانية من آثار سلبية على شبكات الضمان الاجتماعي للفئات الأضعف اجتماعياً وإن كانت بنسب متفاوتة بين دولة وأخرى. حيث توقع معهد الأبحاث “ماكنزي” في دراسة أجراها حول تأثير حرب الحرب الروسية الأوكرانية على الإنفاق العسكري لدول حلف الناتو ارتفاع النفقات العسكرية خلال الفترة بين 2021 و2026 بنسبة 53 بالمئة، لتصل الزيادة إلى 453 مليار دولار سنوياً على أقل تقدير، ليرتفع مجموع ما ستنفقه هذه الدول على الدفاع إلى أكثر من 2 تريليون دولار بحلول عام 2026، أعلنت ألمانيا تخصيص 100 مليار دولار للنفقات العسكرية، وفرنسا بإعلانها إنفاق 400 مليار دولار بين عامي 2024 و2030، وكذلك تخصيص بريطانيا 3 بالمئة من الناتج المحلي للإنفاق العسكري بحلول عام 2030، اتجهت واليابان 863 مليار دولار، مدفوعة بزيادة الإنفاق العسكري، لمواجهة أى تهديدات مستقبلية فى ظل زيادة حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم. ولو كان هناك تفكير بشكل عقلاني أكثر لتوجه إنفاق هذه الموازنات على التطوير الاجتماعي وتحسين شبكات الضمان الاجتماعي، بهدف الحفاظ على الفئات الأضعف اجتماعياً، او أن يكون هناك نوع من الدفع نحو نمو الاقتصادات الوطنية والناشئة في العالم ،او أن يكون الإنفاق أكثر رصانة وقدرة على مواجهة التداعيات الاقتصادية، لكن يبدو أن هذا الموضوع بات خارج عن السيطرة طالما هو بيد سياسيين لا يتمتعون بما يكفي ربما من الحكمة التي تستطيع الحد من سباق التسلح ، والذى دخلت إليه الكثير من الدول العربية خاصة الخليجية .خاصة بعد أن أظهرت دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني “آي دبليو”، أن الحرب الروسية الأوكرانية كلفت الاقتصاد العالمي أكثر من 1.6تريليون دولار العام الماضي. وترى بعض الدراسات الأخرى أنها تجاوزت 2,3 تريليون دولار ،بعد تراجع الناتج الاقتصادي العالمي في عام 2022 بمقدار يزيد بكثير عن 1600 مليار دولار، مقارنة بما كان يمكن أن يكون بدون الحرب الروسية الأوكرانية ، مع توقع أن تصل خسائر الإنتاج العالمي إلى حوالي تريليون دولار أخرى هذا العام.كما أن الحرب أدت إلى اضطرابات في الإمدادات والإنتاج على مستوى العالم بالإضافة لذلك، ارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير، كما ارتفع معدل التضخم بشكل حاد في كل مكان، وخفض من القوة الشرائية.
ونرى أن تواصل الأزمة الروسية الأوكرانية التي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع العالمية وبالأخص على منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية خاصة في الكثير من المجالات السياسية والاقتصادية لكونها الحرب الأكبر منذ عام 1945 وأثرت هذه الحرب على الكثير والكثير فيما يخص قضية الأمن الغذائي وأمن الطاقة وهناك الكثير من الإتجاهات التي أثرت عليها هذه الحرب سواء إيجابيا أو سلبيا، وهو ما تعكف عليه مصر حالياً للخروج من دائرة هذه الأزمات عبر إدارة سياسية واقتصادية رشيدة ،تعبر عنها مجموعة من الركائز الإستراتيجية ،وهو ما سوف نتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.
د.علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام