دكتور علاء رزق يكتب.. إستهداف التضخم والخيارات الصعبة (٢)
إستعرضنا فى المقال السابق كيف تقوم مصر بتحقيق التوازن بين متطلبات تحقيق الأمن الإقتصادي والاجتماعي، وبين متطلبات مؤسسات التمويل الدولية خاصة صندوق النقد الدولي ،وهو الأمر الذي استند على ضرورة دعم محورين ، المحور الأول يقتضى دعم برنامج الإصلاح الإقتصادي الذى وضعته مصر فى نوفمبر 2016 لقيادة إستراتيجيتها التنموية التى تتسق مع رؤية 2030 المصرية، ورؤية 2063 الإفريقية ، مع التعرف على نقاط الضعف في المؤسسات المصرية، والإقتصاد ككل ،وقد عكست مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في أعمال قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للإتحاد الإفريقي، أولوية مصر في تحقيق التنمية، والنهضة، سواء بتعزيز إستكمال برنامج الإصلاح الإقتصادي المصري، او بجعله نموذج يحتذى به في تحقيق التنمية والنهضة في افريقيا ، وهذا يتطلب حث الإرادة السياسية على حشد الموارد الإفريقية للتنمية، وتحقيق التكامل الإقتصادي المنشود، ودفع التجارة البينية الإفريقية نحو الصعود ،فالتجارة البينية الإفريقية لا تزيد عن 7% ،بينما في دول الإتحاد الأوروبي تزيد عن 70% ،وهنا فإن الآمر يجب ان تكون له إرادة سياسيك إفريقية موحدة ،حتى نستطيع الخروج من هذا الوضع الذي يمثل التحدي الأول والأعظم في تحقيق التكامل الاقتصادي الإفريقي، وقد تبلور ذلك في تدعيم إطلاق منطقك التجارة الحرك الإفريقية الكبرى، التي تتطلب المزيد من العمل والجهد وضرورة التنسيق المشترك بين التجمعات الإقتصادية الثمانية الكبرى في افريقيا لتعظيم الموارد وتسريع تنفيذ أجندة التنمية الافريقية 2023، كذلك العمل المشترك على تخفيف الديون الإفريقية وتحقيق العدالة المناخية، لأن افريقيا من أكثر القارات ضرراً، وتاثرا بالازمات الإقتصادية العالمية، رغم انها غير المسؤوله عن الانبعاثات الكربونية ،وارتفاع درجة حرارة الأرض والذى نشاهده فى هذه اللحظات من إرتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة ، مما سيؤثر حتماً على الآمن الغذائي، لذا فإن تحمل الدول الغنية والمتقدمة مسؤوليتها عن مساعدة الدول النامية، أصبح أمراً لا مفر منه، وهذه المساعدات إما ان تكون مساعدات مباشرة كما تم الإتفاق عليه في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ من العام الماضي، او من خلال توجية الإستثمارات العالمية التي تبلغ اكثر من ١,٣ تريليون دولار، تمثل حجم الإستثمارات العالمية عن عام 2022، والتي تنافست عليها دول العالم، فوفقا لتقرير الاونتكاد، زادت تدفقات الإستثمار الى دول العالم النامي 4% لتصل الى 916 مليار دولار لتشكل 70% من إجمالي الإستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم ،مصر من جهتها كانت هي الوجهة الإستثمارية الأولى في القارة الإفريقية بإستثمارات بلغت 11.4 مليار دولار وبالتالي فإن المنافسة التي تشهدها الساحة العالمية المتعلقة بجذب الإستثمارات الأجنبية تتطلب سرعة الدخول إلى هذا الميدان وربط ذلك بضروره تغيير التعامل في ملف الإستثمار ومحاولة تطبيق سياسات المجلس الأعلى للإستثمار التي ىقرها في إجتماعه السابق برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تستند على ضرورة تهيئة المناخ الجاذب لجعل مصر قبلة الإستثمار، والمستثمرين الجدد، مع وضع إطار تشريعي وإداري يكون قادراً على التفاعل المرن مع زيادة حجم التنافسية المتوقعة على هذه الإستثمارات العالمية ،وبالتالي فإن إلغاء المزايا التفضيلية للشركات المملوكة للدولة كانت هي البداية نحو تمكين القطاع الخاص وإبراز مبدا الحياد التنافسي، كذلك فإن إستعانة الحكومة بخبرات وخبراء مؤسسات التمويل لتطوير إستراتيجية فعالة لبيع الأصول الحكومية، إنعكست على النجاح في الوصول الى 1.9 مليار دولار ،حصيلة لبيع الاصول الحكومية، وهو ما عكس الإشادة من قبل صندوق النقد الدولي مؤخرا على قدرة الحكومة المصرية على النجاح في تحقيق برنامج الإصلاح الٱقتصادي، مما سيجعل مصر قادرة على جذب 14 مليار دولار إستثمارات إضافية عبر إقرار هذا النجاح، وهو ما سيزيد من نصيب مصر من الإستثمارات العالمية من 1%الى 2%، كنتيجة للنجاح في تطوير وتحديث وتنمية المشروعات القائمه فعلاً، مع القدره الفائقة على إقامة مشروعات جديدة وتعميق المنتج المحلي لتنظيم عملية الإستيراد. اما المحور الثاني الذي يتطلب تحقيق التوازن بين متطلبات البيئة المصرية ومؤسسات التمويل العالمية خاصة صندوق النقد الدولي، فانه يكمن في دراسة المتغيرات وعلى راسها معدل التضخم ومستوى البطالة، مع التعرف على الأسباب، وخيارات الحلول، من اجل تدعيم إستقرار الإقتصاد الكلي ،وهذا يتطلب العمل على زيادة مصداقية السياسة النقدية، وزيادة قدرتها على تحقيق الإستقرار طويل الآجل للأسعار، مع تثبيت توقعات التضخم عند المستوى المستهدف، عبر تقدير معدل متوقع للتضخم في ضوء التطورات والتغيرات خلال السنوات السابقة، وأيضاً التوقعات المحتملة، بما يساهم في تدعيم قدرات البنك المركزي المصري على إدارة الشئون النقدية ،والتحكم في السيولة المحلية، لان التضخم المعتدل يدعم الإستقرار ويجعل الإقتصاد المصري في حاله توازن منتظم، مع العمل على تطبيق إستراتيجية تعتمد على زيادة الطلب والتمويل والحوكمة والقواعد التنظيمية، بالاضافه إلى تنمية المواهب، الآمر الذي سينعكس حتماً على زيادة الناتج المحلي الإجمالي المستهدف خلال الفترة القادمة بتريليون دولار، وهو الآمر الذي يؤكد عليه السيد الرئيس دائماً من ان الدولة تعمل على بناء قاعدة صناعية حقيقية، ومتطورة في مختلف المجالات الصناعية، لاسيما ذات الصلك بالآمن الغذائي، والقطاعات الحيوية في ضوء تنامي التحديات الدولية، وان الآمر يتطلب مواصلة جهود توطين الصناعة وتعميق التصنيع المحلي في مصر من خلال نقل المعرفه والتكنولوجيا والخبرة، والإستفادة من القدرات الإنتاجية والتشغيلية لدى كبريات الشركات العالمية ،وهو ما دفع إلى تحقيق مصر التقدم 17 مركزا في المؤشر الخاص بالمهارات المتعلقة بالذكاء الإصطناعي، وهو الآمر الذي إنعكس بشدة على ما شاهدته البورصة المصرية من إتمام اكبر إكتتاب وزيادة راس مال نقدي مدفوع بالكامل في تاريخها،وهى مؤشرات مدفوعة بنجاح وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تهدف إلى تعظيم العائد من أصول الدولك، والتخارج المحسوب بمنتهى الدقة، والدراسة لجذب المزيد من المستثمرين الأجانب الراغبين في الإستفادة من فرص السوق المصرية الإستثمارية الكبيرة ،وهو ما يعكس ثقة المستثمرين في الإقتصاد المصري ،ومدى قدرته على النمو خاصة بعد ان تم زيادة إستثمارات مصر في بنيتها التحتيك في السنوات الماضية إلى اكثر من 400 مليار دولار تمثل جزء من الإستثمارات الوطنية المستدامة ، ما نؤكد عليه ان رؤية مصر القادمه تقوم على ان القطاع الخاص عليه ان يسعى الى قيادة عجلة الاقتصاد .وان الخيارات الصعبة التى تواجهها الدول، غالبا ما تنهار تحت عجلات الإقتصاد القوي.
د.علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام