دكتور علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
يعد وصول العلاقات المصرية التركية إلى مرحلة جديدة من التقارب ،توجت بزيارة الرئيس التركى أردوغان إلى القاهرة ،أمرا بالغا فى هذه الظروف العالمية والإقليمية ،وتأتى الزيارة تعبيراً عن نجاح قوة مصر السياسية فى تحريك دفة المصالح تجاة حركة المسار المصرى ،وفى ظل وجود تقارب بين الرئيسين السيسى وأردوغان لمواجهة التحديات المشتركة،
لذا تدرك القيادة المصرية أن هذا التقارب هو بداية لتحالف جديد لمواجهة مشاكل المنطقة، مع إعادة الزخم للعلاقات المصرية التركية،لتعظيم توافق المصالح بين البلدين ثنائياً وإقليمياً.وندرك تماماً أن مواجهه التحديات يتطلب حاجة كل من البلدين للآخر ، لمواجهة ما يدور حولهما من إعادة ترتيب للأوضاع ،وإعادة رسم لخريطة توزيع القوة بالشرق الأوسط، والتي تتجاهل أحيانا المصالح الاقتصادية لكل من مصر وتركيا. وعلى المستوى الثنائي تعتبر تركيا الشريك التجاري الأكبر لمصر بحجم تجارة بينية 5.8 مليار دولار عام 2023، كما تعتبر تركيا الدولة الأكثر استيرادا من مصر بمستويات وصل 2.9 مليار دولار ،وبالتالى فقد شهدت العلاقات الاستثمارية تطور واضح السنوات الأخيرة.وهذا تأسيس على أن مصر وتركيا بحاجة إلى إعادة توزيع الثروة فى ظل عالم يحمل عنوان البقاء للأغنى، فأكثر أغنياء العالم ثراء إستحوذوا على حوالي ثلثي إجمالي الثروة الجديدة منذ عام 2020 وقيمتها نحو 42 تريليون دولار، أي ما يقرب من ضعف ما حصل عليه بقية سكان الأرض
وياتى هذا بالتوازي بتستر الغرب وراء حضارته المتطورة التي تبهر دول العالم الثالث، لكن خلف ذلك الستار تاريخ مشوه من عمليات النهب لثروات وخيرات تلك الشعوب التي تعيش الآن تحت ثقل الظروف المعيشية القاسية.فقد عكفت الولايات المتحدة ومن وورائها القوى الغربية على إستغلال قوتها العسكرية لإمتصاص ثروات الشعوب الفقيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما أحدث فارقاً بين ما يسمى بالدول المتقدمة ودول العالم الثالث، قد يحتاج إلى عقود طويلة لتعويضه، فعلى سبيل المثال بلغت كمية النفط المسروق من العراق منذ بداية الغزو الأمريكي عام 2003 بما قيمته 150 مليار دولار، كما أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان من أجل نهب ثروتها المعدنية الهائلة حيث اكتشفت الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار من الرواسب المعدنية غير المستغلة في أفغانستان، أما فى ليبيا التى كانت تنتج ما يعادل مليار دولار يومياً بترول كانت سببا رئيسيا في حالة عدم الإستقرار التى يعيشها الشعب الليبى حتى الآن، كذلك تبين أن القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا تنهب نحو 66 ألف برميل يوميا،أي ما يعادل 82% من إجمالي إنتاج النفط السوري، كما أن فرنسا متمسكة ببقاء مصالحها الإستعمارية في أفريقيا حيث أنها تضخ نحو 500 مليار دولار سنويا في خزانة الدولة الفرنسية.والأخطر انهامسئولة عن 61% من الإنقلابات التي شهدتها الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية.وبرغم أن أن الناتج الاقتصادي العالمي قد تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ عام 1990. إلا أن أوجه عدم المساواة تقوض التقدم الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم الإنقسامات الإجتماعية التي تخلفها أوجه عدم المساواة، وهو ما تدركه جيداً كلا من القيادتين المصرية والتركية بعد عشر سنوات من التأكد من أن إثبات الوجود يكون بإصطفاف الوجود. والتأكد بأنه مع إرتفاع مستوى التفاوت يتعثر الترقي الإقتصادي والإجتماعي، وتتعثر التنمية البشرية، ومن ثم ينكمش النمو الإقتصادي. كما يزداد الشقاق والتوترات والعنف في المجتمع ،وبالتالى كانت الرغبة المشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ورفع معدلات التبادل التجاري من 8 مليار إلى مستويات أعلى خلال السنوات المقبلة،عبر التعاون في مجالات البنية التحتية وتوطين الصناعة، وذلك من أجل تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية العالمية على كلا البلدين.فمصر تستهدف الوصول بصادراتها إلى 120 مليار دولار، وتركيا التى تصدر حاليا ب 256 مليار دولار تستهدف الوصول بصادراتها إلى أكثر من 400 مليار وذلك حتى عام 2028، وعبر قواسم مشتركة أهمها دراسة كافة المقترحات والإنتقادات البناءة التي يوجهها المصدرون من أجل تسريع وتيرة التجارة الخارجية.
ولا شك أن مصر وتركيا ترتبطان بعلاقات ثنائية وطيدة تقوم على تحقيق المصلحة المشتركة، مع عدم التدخل فى الشأن الداخلى، لذا تحرص الحكومة على جذب مزيد من الإستثمارات التركية للعمل بالسوق المصري والإستفادة من الخبرات الصناعية التركية المتطورة وكذا من فرص الإستثمار .
القاهرة وأنقرة سوف يشكلان تحالفاً تنمويا يتجاوز حدود الإقليم ، بتعزز قدرتهما على إقتحام أسواق العالم ، فالإستثمارات التركية في مصر تقترب من 3 مليار دولا ،ويتركز أغلبها في المجال الصناعي، هذا بخلاف إستثمارات كبيرة في مجال السياحة والمطورين الصناعيين، فمشروعات مصر العملاقة وعلى رأسها يأتى مشروع محور تنمية قناة السويس تستلزم مضاعفة الجهود لعقد شراكة وتعاون اقتصادي، وبالتالى فإن التشاور مع تركيا لإنشاء منطقة صناعية تركية في مصر على غرار المنطقة الصناعية القائمة في مدينة بورصا التركية والمتخصصة في مجالات المنسوجات والسيارات والمعدات والتكنولوجيات المتقدمة سوف تكون بوابة لزيادة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري. وبالتوازي مع تسريع تسيير خط ملاحي «رورو» بما يسهم في زيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين.
ما نؤكد عليه أن الإقتصادين المصري والتركي يواجهان نفس التحديات ،نتيجة خروج الكثير من الأموال الساخنة، وارتفاع مستويات التضخم واللجوء لرفع أسعار الفائدة، وتذبذب التصنيف الائتماني للبلدين،ونقص الدولار ، وأصبحت الحلول المعتادة برفع سعر الفائدة أو تخفيض قيمة العملة أمور غير مجدية لحل هذه المعضلة الاقتصادية. ومن المنطقى أن يوجد إتفاق بين القيادتين على أن تحسين الوضع الاقتصادي يكون بزيادة الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل الأجنبي، وفتح أسواق تصديرية جديدة.لذا فهذه بمثابة فرصة ذهبية للبلدين يمكن إستغلالها لتعزيز وتعميق الإستثمارات و التعاون الاقتصادي والتجاري ، للعبور من هذه الأزمة المالية، والبناء على الروابط الاقتصادية الفريدة بين البلدين والتي لم تعصف بها أو تزعزعها أية خلافات في المواقف ، كما وجب أن نؤكد أن الزيارة تأتي في توقيت شديد الحساسية يحتاج فيه كل من البلدين للآخر ، لمواجهة ما يدور حولهما من إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة سواء بفعل تطورات الصراع والمنافسة داخل النظام الدولي أو المنافسة الإقليمية على إعادة رسم خريطة توزيع القوة بالشرق الأوسط والتي تتجاهل أحيانا المصالح الاقتصادية لكل من مصر وتركيا.والبداية المنطقية تتطلب ايجاد تفاهمات حول ملف غاز شرق المتوسط وزياده معدل التبادل التجاري بين البلدين واتاحه الفرصه لإستخدام العملة المصرية والتركية في عملية التبادل التجاري تجنباً للتقلبات في الدولار.