دكتور علاء رزق يكتب..سيناء بين وهم التية وهمم التنمية
دكتور علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
عادت سيناء الى حضن الوطن الأم بعد نصر اكتوبر 1973،وعادت كاملة بالاتفاقيات والمفاوضات، لكنها ظلت لعقود طويلة بعيدة عن مسار التنمية الحقيقية ، مما جعلها مطمعا للخارج ومرتعا للداخل ،وكان آخرها دعوات التهجير القسري لفلسطيني غزة إلى شمال سيناء، بعد نزع فتيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جديد ،وهو ما تصدى له السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل قاطع وحازم ،حفاظا على قضيه فلسطين العادلة ، وعدم تفريغها من محتواها وتصفيتها. وواقعيا تمثل سيناء 6,1% من مساحة مصر، وهي نفس النسبة تقريباً التي يعيش سكان مصر منذ قرون على المساحة المعمورة فيها ، كما تمثل شبه جزيرة سيناء العمق الإستراتيجي لمصر شرقاً والرباط التاريخي بين مصر وأشقائها العرب، فنظرة العالم لمصر أنها مهد الدين وراية مجد الاديان السماوية، وعلى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له النور الإلهي وتنزلت عليه الرسالة في طور سيناء. لذا كان من الأهمية بمکان أن نضع سيناء بمقدمة اهتماماتنا، وعلى أولويات استراتيجية مصر للخروج من الوادى القديم الذى بدأ يضيق بزحام سکانه ، فسيناء مؤهلة للتخفيف من شدة هذا الزحام ، ومؤهلة لفتح الکثير من المجالات أمام شعب مصر لإقامة مجتمعات عمرانية وزراعية وتعدينية وصناعية وسياحية وتجارية ، نظراً لما تمتلكه من إمكانيات هائلة من الموارد الطبيعية تجعلها قاطرة التنمية بمصر الجديدة بكل تأكيد ، فى ظل عالم يعيش إضمحلال في اليقين، کما أن قرب سيناء وتداخلها مع إقليم قناة السويس التى تعتبر شريانا حيويا من شرايين الإقتصاد والتجارة الدولية ، فکل ذلک يستلزم علينا أن نجعل منها ملحمة بناء وجسر يعبر من خلاله الشعب المصرى إلى الأمن والرخاء ، لذا جاء إعلان رئيس الوزراء عن إطلاق المرحلة الثانية من خطة تنمية سيناء،بمثاية بداية لوضع سيناء فى مقدمة الأولويات للعبور منها للأمن والرخاء، بعد أن أنفقت الدولة المليارات للقضاء على الإرهاب وتجهيز محافظة شمال سيناء لتنفيذ الخطة الإستراتيجية. فالمستهدف فى المرحلة الثانية يقدر بنحو 363 مليار جنيه لتنمية سيناء خلال السنوات الخمس المقبلة، بعد تنفيذ المرحلة الأولى من خطة التنمية خلال الفترة من 2014 إلى 2023.وهى الأصعب لأنها تزامنت مع حرب مصر على الإرهاب ، حيث انفقت الدولة خلالها أكثر من 750 مليار جنيه على مشروعات التنمية في سيناء.ولكن المرحلة الثانية التى أطلقها رئيس الوزراء بتفويض من رئيس الجمهورية ستكون الجزء الأسهل والأسرع في خطة التنمية،لانها ستتمثل في التشغيل والتعمير والتنمية الزراعية والاقتصادية والصناعية والعمرانية والسياحية في كل المناطق فى سيناء ، لأن الأصعب كما قلنا آنفا ، تمثل في إعداد بنية أساسية، وهذا ما دأبت الدولة على تحقيقه في فترة الحرب ضد الإرهاب، وهو ما صب فى مصلحة الوطن باختزال ١٠ سنوات كانت ستبدأ من الآن لو تأخرنا فى إنجاز المرحلة الأولى ،لذلك كان القرار الحكيم من سيادة الرئيس على ضرورة العمل بالتوازي لتحقيق المستهدفين وهما الحرب على الإرهاب وحماية سيناء من التية، والثانى إحياء الهمم التنموية لهذه البقعة الغالية. عبرجعل شبة جزيرة سيناء عامة ، ومنطقة شمال سيناء خاصة جاذبة للاستثمار العالمي، وأن تكون المنطقة مقصداً ليس فقط للاستثمار داخل مصر لكن بأن تكون أيضاً هدفاً للإستثمارات العالمية، لذا كان حرص القيادة السياسية على ضرورة استمرار تنفيذ شبكة الربط، والتى وصلت إلى ألف كيلو من الطرق والكباري بتكلفة نحو 43 مليار جنيه، مع إستهداف تنفيذ تطوير 4 آلاف و300 كيلو متر طرق ومدقات بتكلفة 53 مليار جنيه، بالإضافة إلى تطوير 500 كيلو من السكك الحديدية، وهو ما تعتبره الدولة ذا أهمية كبيرة. فبعد أن كان لدينا قبل 2014 فقط نفق واحد، فاليوم لدينا 6 أنفاق، بالإضافة إلى 7 كباري عائمة، وكذا ازدواج لكوبري الفردان كنتيجة لازدواج قناة السويس، كل ذلك هدفه الأساسى هو أن نتمكن من ربط سيناء بمصر ربط كامل، بكل وسائل الربط من طرق، وموانئ، وسكة حديد، ومطارات.فاذا كانت حرب أكتوبر ٧٣ انتصارا على غطرسة عدو ، فإنها كانت أيضاً انتصارا للتنمية والتى تم ربطها بمفهوم الأمن القومي والذى أكد عليه ماكينمارا وزير الدفاع الأمريكى والخبير الاستراتيجي المعروف بأن الأمن القومي للدولة هو التنمية ،ولكى نؤمن أى مكان من أطماع الطامعين، لا يكمن الحل فى الاعتماد على الجيوش فقط ،انما يعتمد بالدرجة الأولى على شحذ همم التنمية ، وإشغال المنطقة وتعميرها.كما فعلت الكثير من النماذج التنموية العالمية على راسها دول جنوب شرق آسيا ،وتلك هى الأسس التى تعمل عليها الدولة المصرية الآن ،بأن تتم تنمية سيناء وتعويض عشرات السنوات التى غابت فيها عملية التنمية فى هذه المنطقة ، إما عمدا أو جهلا .وبالتالى فإن تدشين المرحلة الثانية لإعمار سيناء يعكس إهتمام الدولة بها، ضمن المشروع القومي لتنمية سيناء 2030، وهو مشروع مصري ووطني يلغى أى مشاريع أو مطامع أخرى تستهدف هذه المنطقة. لذا فإننا نقترح تنظيم مؤتمر وطني وشعبي لتأكيد الاعتزاز بهذه البقعة الغالية من أرض مصر.مع التركيز على المشروعات القومية الكبري، التي تقوم بأكثر من شئ، منها استصلاح واستزراع آلاف الأفدنة على مياه امتداد ترعة السلام بمنطقة شمال سيناء وخلق مجتمع زراعي صناعي تنموي جديد ومتكامل.أيضاً تقوية وتدعيم سياسة مصر بزيادة الإنتاج الزراعي وبالتالى الخروج من دائرة اضطرابات سلاسل التوريد العالمية ،
وخلق مجتمعات عمرانية جديدة بغرض التخفيف عن المناطق المكدسة بالسكان في الوادي الضيق. والأهم هو ربط سيناء بمنطقة الدلتا وجعلها امتداداً طبيعياً للوادي ، مع الاستغلال الأمثل للطاقات البشرية الهائلة في أغراض التنمية وإتاحة فرص عمل جديدة نضمن بها تحقيق الرخاء الاقتصادي لشعب مصر العظيم.